أو يكون جوابا لقوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) إذا نقر في الناقور.
أو كان السؤال واقعا عن أمر ، لم يشر إلى ذلك الأمر ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ. عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) ذلك اليوم يوم رحمة للمؤمنين ؛ إذ في ذلك اليوم يكرمون ، وينالون عظيم الدرجات من ربهم ، ولكن الله ـ عزوجل ـ ذكر ذلك اليوم في غير آي من (١) كتابه ، والأحوال التي تكون فيه ، وإن كانت تلك الأحوال تنزل على غير المؤمنين ، فمرة سماه : واقعة ، ومرة : قارعة ، ومرة : حاقة ، وإنما يقع العذاب على الكفرة ، ويحق عليهم ؛ فلذلك سماه : عسيرا ، وإن كان هو عسيرا على فريق ، يسيرا على غيرهم.
وجائز أن يكون عسيرا على الخلائق أجمع ، بعض هول ذلك اليوم يشمل الفرق كلها ، كما قال : (وَتَرَى النَّاسَ سُكارى) [الحج : ٢] ، ثم إن المؤمنين تفرج عنهم الأهوال بما يأتيهم من البشارات والكرامات عن الله تعالى ، ويبقى عسره على أصحاب النار.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً).
ذكر أن هذه الآية نزلت في شأن الوليد بن المغيرة (٢) ، والأصل أن الأنباء التي ذكرت عن الأنبياء المتقدمة في المخاطبات التي جرت بينهم وبين الفراعنة فيها إبانة أنها جرت بينهم وبين الآحاد منهم ، وذلك أن فرعون كل نبي كان واحدا ، وكان من سواه يصدر عن رأيه ، وينتهي إلى تدبيره ؛ فكان يستغني عن مخاطبة من سواه ، وقد كثرت فراعنة نبينا صلىاللهعليهوسلم ، فكان كل واحد منهم يدعي الرئاسة لنفسه ، ويمتنع عن متابعة غيره ، والصدور عن رأيه والانقياد له ، منهم أبو جهل ، ومنهم الوليد بن المغيرة ، ومنهم أبو لهب ، وغيرهم ؛ فكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يحتاج إلى أن يخاطب كلا في نفسه ، ومن احتاج إلى مخاطبة أقوام ، وإجابة كل واحد بحياله ، كان الأمر عليه أصعب من الذي احتاج إلى مخاطبة واحد ؛ ففي هذا أن المحنة على رسولنا ـ عليه الصلاة والسلام ـ كانت أكبر مما امتحن بها من تقدمه من الرسل ، عليهمالسلام.
ثم قوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) فيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يمنعه عن شيء حتى يقول له : (ذَرْنِي) ، ولكن هذا الكلام مما يتكلم به على الابتداء من (٣) جهة إظهار القوة ؛ يقول الرجل لآخر : «خل بيني وبين فلان» ، و «دعني وإياه» من غير أن يكون سبق منه المنع ؛
__________________
(١) في ب : في.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٣٨٩) ، وهو قول مجاهد وقتادة وابن زيد وغيرهم.
(٣) في ب : على.