فيريد به إظهار القوة من نفسه : أنه كافيه ، وقادر على دفع شره عن نفسه ؛ فيكون في قوله : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) دعاء من الله تعالى إياه إلى ألا يتعرض له ، ولا يجازيه بصنيعه ؛ فإن الله تعالى يكفيكه ، ويدفع عنك شره.
أو يكون فيه نهي عن أن يدعو عليه بالهلاك والثبور ، ويصبره [إلى](١) أن يأتيه أمر الله تعالى ؛ فيكون [في](٢) هذا مسلاة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أن المتنازعين إذا تنازعا في شيء ، وحدث (٣) بينهما شر ، فانتصب ثالث في نصر أحدهما خف الأمر على المنصور ، ويفرح لذلك ، ويسلو به ، فإذا كان الله تعالى هو الذي يقوم بنصر المصطفى ـ عليه الصلاة والسلام ـ ويكفيه عن عدوه ، كان ذلك أكثر (٤) في التسلي والتفرج ؛ فيكون في هذا تمكين من الصبر (٥) الذي دعي إليه بقوله : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) [الأحقاف : ٣٥] ، وبقوله : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ..). الآية [القلم : ٤٨].
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (خَلَقْتُ وَحِيداً) يحتمل وجهين :
أحدهما : أي : خلقته وحدي ، ولم يكن لي في الخلق ناصر ومعين ولا مشير.
وجائز أن يكون معناه : أي : خلقته وحيدا ، لا مال له ، ولا ولد ؛ فيكون في هذا [وعيد و](٦) تخويف لذلك اللعين ، أي : كيف لا يخاف أن يعاد إلى الحالة التي كان عليها يوم خلق بلا مال ولا ناصر ؛ كقوله : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام ٩٤].
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) :
قيل : (مالاً مَمْدُوداً) ، أي : مالا لا ينقطع ، بل يكون له مدد.
وذكر عن مجاهد أنه قال : كان ذلك ألف دينار (٧).
وقال السدي : (مالاً مَمْدُوداً) ثلاثة عشر ألفا.
وقيل : أراد به ما جعل له من الضياع بالطائف ، تثمر (٨) في السنة مرتين.
ولكن عندنا المال الممدود هو المتتابع الذي لا ينقطع مدده ، والذي لا ينقطع مدده لا يقع تحت الإحصاء.
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في ب : وجدت.
(٤) في ب : أكبر.
(٥) في أ : البصر. بالباء.
(٦) سقط في ب.
(٧) أخرجه عبد بن حميد ، ومجاهد (٣٥٣٩٥) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٥٣).
(٨) في أ : ثم.