وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَنِينَ شُهُوداً) :
أي : حضورا ، لا يغيبون ، ويكون فيه وجهان من الحكمة :
أحدهما : أن ماله قد كثر ؛ حتى لم يحتج إلى تفريق أولاده في الجمع والاكتساب ؛ بل كان يأتيه سمحا ، لا يحتاج إلى تكلف أسباب الجمع.
والثاني : أن غاية ما يراد ويتمنى ويلتمس من البنين هو أن يستأنس بالنظر إليهم ، ويستعين بهم ، ويستنصر إذا احتاج إلى ذلك ؛ ففيه أنه قد نال مناه ، ووصل إلى ما ترغب إليه النفوس من كثرة الأموال والأولاد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) ، أي : بسطت له في (١) الدنيا بسطا.
وقيل : التمهيد : هو التمكين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا).
فجائز أن يكون طمعه منصرفا إلى الزيادة في الآخرة ؛ كقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [الجاثية : ٢١] ، فحسبوا أنهم إذا ساووا أهل الإيمان في الدنيا (٢) يساوونهم في الآخرة لو كانت الآخرة حقا ؛ فكذلك هذا اللعين حسب أنه يبسط عليه نعيم الآخرة كما بسط عليه نعيم الدنيا ؛ فكان قوله : (كَلَّا) ردا عليه.
فإن كان على هذا ، ففيه أعظم الدلالة على إثبات رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ لأنه أخبر أن ليس له نصيب في الآخرة ؛ وإنما يحرم النصيب إذا ختم على الكفر كما قال ، فكان. وهذا إخبار منه عن أمر الغيب ، فصدق خبره ، وخرج الأمر حقا كما قال ؛ فثبت أنه بالله تعالى علمه.
وجائز أن يكون طمعه الزيادة (٣) في الدنيا ؛ فقطع عليه طمعه بقوله : (كَلَّا).
وذكر أن ماله بعد نزول هذه الآية أخذ في الانتقاص إلى أن أهلكه الله تعالى ، ولم يزد شيئا ؛ فيكون في هذا ـ أيضا ـ ما في الأول من إثبات الرسالة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) :
في هذا تصبير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ لأن الله تعالى أكثر نعمه عليه ، ثم ذلك الملعون مع كثرة نعم الله عليه وإحسانه إليه ، عاند ، ولم يطعه في أوامره ؛ فكيف ترجو أنت منه في معاملته إياك مع معاملتك إياه بما يخالف مراده وهواه؟ فيكون فيه ما يدعوه إلى الصبر.
__________________
(١) في ب : من.
(٢) زاد في ب : إن.
(٣) في ب : للزيادة.