أحد من العباد ، وهذا خلاف ما مدح الله [تعالى نفسه به](١) ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، يحتمل أن يكون تأويله :
فمنكم من يدين بدين الكفر ، ومنكم من يدين بدين الإسلام (٢) ، ودل هذا على أن المعصية والطاعة يجتمعان في دين واحد ، وأن المعصية لا تخرجه من دينه ؛ لأن المعصية ، لم يرتكبها تدينا بها ، ولكن لغلبة شهوة أو غضب عليه ، وأما الكفر والإيمان فإنه يأتي بهما المرء اختيارا ويتدين بالكفر والإيمان ؛ لما عنده أنه حق ، وفي هذه الآية دلالة (٣) أنه ليس بين الكفر والإيمان منزلة ثالثة ، وليس كما قالت المعتزلة : إن صاحب الكبيرة بين منزلتين بين الكفر والإيمان ، والله تعالى قسم الناس [صنفين](٤) : فمنهم من خلقه كافرا ، ومنهم من خلقه مؤمنا ، ولم يجعل فيما بينهما منزلة ثالثة ، فلا يجب أن نجعل ، والله الموفق.
وفيه أيضا وجه لطيف سوى ما ذكرنا ، وهو أن كل أحد في الدنيا مؤمن وكافر في الحقيقة ؛ لأن من كان مؤمنا بالله فهو كافر بالطاغوت ، ومن كان كافرا بالله فهو مؤمن بالطاغوت ، وإذا كان كذلك ، وجب أن يبحث عن معنى قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ومعناه عندنا : أن الحقيقة وإن كانت كذلك فالإيمان إذا ذكر مطلقا لم يفهم منه إلا الإيمان بالله تعالى ، والكفر إذا أطلق أيضا لم يفهم منه إلا الكفر بالله تعالى ، وإذا كان كذلك ، جاز أن يكون لفظ الكتاب خارجا على ما عليه المعهود من المتعارف المعتاد ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) في الأزل بما يعمله العباد ، وأنه (٥) ليس كما قال بعض الناس : ألا يعلم فعل العبد إلا وقت فعله ، واحتجوا في ذلك أنا لو قلنا إن الله تعالى بصير في الأزل بما نفعله ، لكان قولا بما لا يستقيم في المعقول ؛ ألا ترى أنا لا نرى في الشاهد من يبني بناء يعلم أنه يضره أو يشتري عبدا يعلم أنه يعاديه ، فكذا لا يستقيم أن يقال [إن الله](٦) تعالى خلق عبدا قد كان يعلم من قبل أنه إذا خلقه عاداه.
__________________
(١) في ب : به نفسه.
(٢) في أ : الإيمان.
(٣) في ب : دليل.
(٤) سقط في ب.
(٥) في أ : والله.
(٦) في أ : أنه.