إليه العاقبة ؛ فالتقطوه ؛ رجاء أن ينتفعوا به.
ولا يجوز أن تخفى على الله تعالى عواقب الأشياء ؛ فيكون فعله في الابتداء لغير ذلك الوجه.
وقولهم :
لدوا للموت وابنوا للخراب
فهذا يتكلم به في موضع التذكير والدعاء ؛ لئلا يحرص المرء في بناء الأبنية ، بل يزهد عنه ، ولا يجوز أن يخفى على الله تعالى أمر ؛ فيخرج الأمر فيه مخرج التذكير (١) ؛ فثبت أنه على التحقيق ، والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) :
فالمثل يذكر بمعنى البيان ؛ كقول القائل : «أمثل لك صورة كذا» يريد أبين لك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) ، فهذا كله تفسير قوله تعالى : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً ..). الآية ، أي : يضل به من كان في علمه أنه يختار الضلال ، واختياره الضلال هو أن ينظر في آيات الله تعالى بعين الاستهزاء والاستخفاف ، ومن كان نظره في آيات الله ما ذكرنا ، أضله الله تعالى ، وزاده غواية ، ومن نظر في [آيات الله](٢) بعين الاستهداء والاسترشاد ، واستقبلها بالتبجيل والتعظيم لها ، وفقه الله تعالى ، ومن عليه بالهداية ؛ وهو كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤] وغير ذلك ، والله الموفق.
وقالت المعتزلة : قوله : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ) ، أي : يسميه : ضالا ، أو يحكم عليه بالضلال إذا ضل ، لا أن يكون الله ـ تعالى ـ يضله ، ويشاء ضلالته.
فيقال لهم : إذا كان الله يريد أن يؤمن به ، وذلك إرادته في كل أحد عندكم فتسميته إياه : ضالا ، وحكمه بالضلال وهو يريد أن يهتدي ـ جور منه ، وفيه تحقيق كذبه ، جل الله تعالى عن أن يلحقه وصف الجور في فعله ، أو ينسب إلى الكذب.
وقال أبو بكر الأصم : تأويله : أن الله ـ تعالى ـ ينصب طريقا ، من سلكه أفضى به إلى الهداية ، ومن زاغ عنه صار إلى الضلال ، ولا يتهيأ لأحد من الخلائق أن ينصب مثله.
فنقول : لو كان التأويل على ما زعم لكان حقه أن يقال : «كذلك يضل الله ما يشاء ويهدي ما يشاء» ؛ فلما قال : (مَنْ يَشاءُ) ، و «من» يعبر به عن الأشخاص العقلاء [لا] عن
__________________
(١) في ب : التذكر.
(٢) في ب : آياته.