الطريق التي لا يعقل ، ثبت أن الذي قاله ليس بشيء يعتمد عليه.
[ثم](١) الأصل أن قوله : (يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) من صفات الربوبية ، وفيه امتداح الرب ـ تعالى ـ بالفعل لما يريد ، فلو لم يكن مريدا منهم ما قد كان ، ولم يرد كون ما علم أنه يكون ، سقط الامتداح ، وخرج عن أن يكون من صفات الربوبية ؛ فثبت أن الله تعالى شاء لكل فريق ما علم أن يكون منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) :
فالجنود (٢) هو اسم للجماعة التي ينتقم بها ، وينتصر بها.
وجائز أن يكون قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) منصرفا إلى الملائكة ، التي هي (٣) أصحاب النار ، ليس ما جعله من خزنة النار عددا قليلا ؛ لقلة جنوده ، (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) ، أي : [لا يعلم] مقادير قواهم وأحوالهم إلا الله ؛ فمعناه : لا يعلم جنود ربك ، أي : لا يعلم قوة هؤلاء الجنود وبطشهم وهيبتهم إلا هو.
ثم يجوز أن يكونوا سلطوا على تعذيب أهل النار ؛ على جهة الامتحان (٤) للملائكة ؛ كما امتحن بعضهم بإيصال التحف والكرامات إلى أهل الجنة ، وكما امتحن بعضهم في الدنيا بقبض الأرواح ، وبعضهم باستنزال الأمطار ، وغير ذلك.
وجائز أن يكون تسليطهم على أهل النار على جهة الثواب والجزاء لهم ؛ لأنهم يتلذذون بما يعذبون أهل النار ، وينتقمون من أعداء الله تعالى ؛ لأن المرء في الشاهد إذا وصل إلى الانتقام من عدوه ، تلذذ به وتنعم.
ويحتمل أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) ، أي : وما يعلم كثرة جنود ربك إلا هو.
ويحتمل : وما يعلم السبب الذي به يجعل الجنود ، ويصلحون للانتقام إلا هو ؛ إذ هو القادر على أن يجعل أضعف شيء من خلقه جندا ينتقم به من أعدائه ، كما في قصة البعوض في زمن نمرود ، وغير ذلك من إرسال الطير إلى أصحاب الفيل ، وإمطار الحجارة على قوم لوط ، ونحو ذلك.
ويحتمل أن يكون قوله ـ عزوجل ـ : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ) ، أي : لا يعلم ما الذي يتخذ الله تعالى جندا للانتقام من الأعداء إلا هو ؛ ألا ترى أن الله ـ تعالى ـ انتقم من بعض
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : فالجند.
(٣) في أ : هم.
(٤) في أ : الاستحسان.