الأعداء بالغرق ، وهم قوم فرعون وقوم نوح ـ عليهالسلام ـ وأهلك بعضا منهم بالرياح ، واتخذها جنودا عليهم ، وأهلك بعضهم (١) بالخسف ؛ فيكون في هذا إيجاب المراقبة من حلول النقمة والسخطة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) :
جائز أن يكون منصرفا إلى السقر أنها ذكرى للبشر ، أي : موعظة وتذكيرا لهم ما إليه مرجع أمورهم.
وجائز أن يكون منصرفا إلى عدة الملائكة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا) :
قيل : حقّا.
وقيل : هو على الردع والتنبيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)
فهذا في موضع القسم ؛ وقد ذكرنا أن القسم ؛ لتأكيد ما قصد إليه بالذكر ، وإدبار الليل بمجيء النهار ، فجائز أن يكون ذكر آخر الليل يقتضي ذكر أوله ، وذكر أول النهار يقتضي ذكر النهار كله ؛ فيكون القسم بهما قسما بالليل كله ، والنهار كله.
ثم الليل إذا أقبل عملت ظلمته في ستر الأشياء كلها بساعة لطيفة ، وكذلك النهار إذا أقبل عمل في دفع الظلمة عن الخلائق جملة بساعة لطيفة ما لو اجتهد المرء في جميع عمره ـ وإن طال ـ على عد تلك الأشياء ؛ ليحيط علما بجملتها ، لم يتمكن منه ، وإذا كان لليل من السلطان ما ذكرنا ، ولإقبال النهار من الأمر ما ذكرنا ، وكان الذي ذكرنا أمرا مشاهدا معاينا ، ولو أريد معرفة ما فيهما من الحكمة : أنه لأي معنى ما صلح أن يكون الليل ساترا عن درك أعين الأشياء ، واستقام أن يكون النهار مزيلا للستر؟ لم يقدر عليه ؛ فيكون فيه إبانة أنه لا يجب إنكار كل ما لا يوصل إلى درك الحكمة فيه بالعقول والآراء ؛ فيكون فيه إيجاب التصديق بالأنباء التي يأتي بها الرسل ، وإن كان فيها ما لا يوقف على الحكمة المجعولة فيها بالآراء.
وفيه أن منشئ الليل والنهار واحد ، وأن الخلائق بجملتهم تحت سلطانه وتدبيره ، يحكم فيهم ما يشاء ، ويفعل ما يريد.
وجائز أن يكون القسم منصرفا إلى الوقتين اللذين وقع عليهما الذكر ، وهما إدبار الليل ، وإسفار الصبح ؛ فيكون فيهما ما في الأول.
__________________
(١) زاد في ب : منهم.