الأفعال ؛ والصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإطعام المساكين ، وصيام شهر رمضان ، وغير ذلك من العبادات ؛ فاشتد عليهم [ذلك] ؛ فتركوا الإيمان بها ؛ لئلا يلزمهم تحمل هذه الأفعال التي حملها أهل الإيمان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) :
فالخائض هو الذي يخوض في الباطل.
وقوله ـ عزوجل ـ : (حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) :
أي : حتى أيقنا أنا كنا على باطل فيما كنا نخوض فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) معناه : أن لا شفيع لهم ؛ والأصل : أن الشفاعة إذا أضيفت إلى أهل الكفر ، فقيل : ليس لهم شفعاء ، أو لا تنفعهم شفاعة الشافعين ، اقتضى نفي الشفاعة ، أي : لا شفيع لهم.
وإذا أضيفت إلى أهل الإيمان اقتضى نفي الانتفاع بشفاعة الشفعاء ، ولم يقتض نفي الشفاعة ؛ كما ذكرنا : أن الأفعال التي يكون قوامها بالإيمان إذا أضيفت إلى الكفار فهي تقتضي نفي القبول ، وإذا أضيفت إلى أهل الإيمان فهي [تقتضي](١) نفي الفعل.
وقولنا بأنه إذا قيل : «لا شفيع له» ، وأريد به أهل الإسلام ، فهو يقتضي نفي الانتفاع ، ولا يقتضي نفي الشفاعة ـ فذلك ينصرف عندنا إلى أهل الاعتزال والخوارج ؛ لأنا نرى أصحاب الكبائر من أهل الإسلام مستوجبين للشفاعة ، وهم يقولون : لا يجوز في حكم الله تعالى أن يعفو عن أصحاب الكبائر ، بل يخلدهم في النار ؛ لأن الله تعالى أوعد النار لمن ارتكب الكبائر ، وأخبر أنهم يخلدون فيها ؛ فلا يجوز أن يقع في وعده خلف ، أو يتحقق في خبره كذب ، ولو استوجبوا الشفاعة ، ونالوا بها المغفرة من رب العزة ، لصار فيما وعد مخلفا ، وفيما أخبر كذوبا ؛ فمثل هؤلاء إذا ارتكبوا الكبائر لا يرجى لهم الخلاص بالشفاعة أبدا ؛ بل يحكم عليهم بالخلود في النار ؛ فيرتفع ما يثبت الكذب وينتفي [ما يوجب](٢) خلف الوعد.
ولأنهم لما اعتقدوا التخليد في النار لمن ارتكب الكبائر ، وجب أن يكون نفيهم الشفاعة بزعمهم على ذلك ؛ لأن الله تعالى يقول : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) [الأعراف : ٢٩ ، ٣٠] ؛ فلا يجوز أن يحق عليهم العذاب ثم لا ينالهم العذاب إذا بعثوا.
ثم احتج فريق منهم بنفي الشفاعة في الآخرة بقوله : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ)
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في أ : بوجوب.