[الشعراء : ١٠٠] ، وبقوله : (أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) [البقرة : ٢٥٤] ، وبقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) [البقرة : ١٢٣] ، وزعموا أن شفيع كل امرئ منهم عمله يومئذ ؛ فمن حسن عمله نجا به ، ومن ساء عمله حق عليه العذاب ، ولم يكن له شافع ، ولو وجب نفي الشفاعة بما ذكر من هذه الآيات الظاهرة ، لوجب تحقيقها بقوله : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) [الأنبياء : ٢٨] ، وبقوله : (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً) [طه : ١٠٩] ؛ إذ في هاتين الآيتين أن الله تعالى قد يأذن بالشفاعة يومئذ للبعض ؛ فثبت أن ما ذكرتم من نفي الشفاعة ، لم يقتض نفيا على الإطلاق ، بل النفي انصرف إلى بعض الخلائق ، ووجب القول بثبوتها لبعضهم.
ثم جاءت الأخبار مفسرة على إيجاب القول (١) بالشفاعة لأهل الكبائر ؛ فثبت أن ما ذكر من قوله ـ عزوجل ـ : (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ) [الشعراء : ١٠٠] ، وقوله : (وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) [البقرة : ٢٥٤] منصرف إلى أهل الكفر ، وبه نقول.
ومن المعتزلة من يحقق الشفاعة ، ولكنه يراها للذين يستوجبون استغفار الملائكة في الدنيا ، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) [غافر : ٧] ، فأما أصحاب الكبائر ؛ فإنهم (٢) لا تنالهم شفاعة أحد ؛ بل يخلدون في النار.
فيقال لهم : فأية منفعة تحصل للذين تابوا واتبعوا سبيله (٣) في الشفاعة ، وهم قد استوجبوا الخلاص بتوبتهم ، واتباعهم سبيل الرشاد.
فإن قالوا : منفعتهم بها : أنه يعظم قدرهم عند الله تعالى ، ويستوجبون بها فضل الدرجات ؛ كما ترى المرء في الشاهد يذكر أخاه عند الملوك بحسن السيرة ، ويذكره بما فيه من المناقب الجميلة والمحاسن ، ويبتغي بذلك إعلاء منزلته ، وإعظام قدره عندهم ؛ ليعظموه ، ويبجلوه ، فكذلك الشفعاء في الآخرة يثنون عند الله تعالى على (٤) أوليائه خيرا ؛ ليزيد في درجاتهم ، وتعظم منزلتهم عند الله تعالى.
والجواب أن هذه الزيادة في الدرجات ليست إلا إلى الوصول إلى فضول الشهوات ، وفضول الشهوات والزيادة في اللذات لا تذكر في المنافع ؛ إذ لا حاجة [لهم](٥) إلى ما هو
__________________
(١) في ب : القبول.
(٢) في ب : فإنه.
(٣) في ب : لسبيله.
(٤) في أ : من.
(٥) سقط في ب.