والجواب عن هذا من وجهين :
أحدهما : أن يكون القسم منصرفا إلى الحكمة التي توجب القول بالبعث ؛ إذ قد بينا في غير موضع : أنه بالبعث ما خرج خلق هذا العالم مخرج الحكمة ، ولو لا البعث ، لكان خلقه عبثا باطلا ، كقوله ـ عزوجل ـ : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥] ، كأنه قال : لا أقسم بحكمته الداعية إلى كون القيامة كذا أن يكون كذا.
وجائز أن يكون القسم في الحقيقة بالدلائل والبراهين التي من تفكر وأمعن النظر فيها ، حمله ذلك على القول بالبعث ، وإذا كان محتملا صح القسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة ؛ لأن التفكر في النفس اللوامة والاعتبار بها يدعو إلى القول بالبعث.
ثم العادة جرت على القسم بالأشياء التي عظم خطرها ، وجل قدرها في القلوب ؛ وجلالة خطرها يكون بأحد وجهين :
إما بما كثرت منافعها ؛ فيكون خطرها مشاهدا معروفا.
أو بعظم (١) خطرها بالدلائل والأخبار ، فالسّماوات والأرضون قد عرف الخلق جلالة أقدارهما بالعيان ؛ بما كثرت منافع الخلق بهما.
وعظم يوم القيامة بما جل خطره في القلوب ؛ وثبت القول بكونه بالدلالات والبراهين.
ثم قد وصفنا أن الله ـ تعالى ـ أقسم بأشياء ؛ لتأكيد ما يعرف بيانه ويجب القول به لو لا القسم لو أمعن النظر فيه ؛ وأعملت فيه الروية ؛ لذلك استقام القسم بها ، والله أعلم.
واختلف في النفس اللوامة :
قال بعضهم : النفس اللوامة هي النفس الكافرة ، تلوم ربها في الدنيا أبدا في تضييق العيش عليها ، وتشكو ربها من الفقر والإقتار عليها ، مع كثرة نعم الله عليها وإحسانه إليها.
ومنهم من صرف التأويل إلى كل نفس مؤمنة كانت أو كافرة ، فهي تلوم غيرها ؛ لتعاطيها أشياء قد تعاطت نفسه مثلها ، وامتحنت بها ، والحق على كل أحد ألا يلوم أخاه بما تعاطى فعلا قد أتى هو ذلك الفعل بعينه أو مثله ، ولكنها أنشئت كذلك لوامة ، كما قال : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً. إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً) [المعارج : ١٩ ، ٢٠].
ومنهم من ذكر أن هذا يكون في الآخرة ، فالكافر إذا أيقن بالعذاب وما حل به من نقمة الله تعالى ندم على ما فرط في جنب الله ، وأدركته الحسرة ؛ فعند ذلك يلوم نفسه ،
__________________
(١) في أ : ويعظم.