أن يستحق اسم البر والتقوى ، فإنما صار إلى الفجور وإلى أنواع الشرور (١) بسلوكه ذلك السبيل ، وصار مريدا من هذه الجهة.
ثم قوله : (أَمامَهُ) ، يحتمل وجهين :
أحدهما : فيما بقي من عمره ؛ لأنه يترك الاستهداء والاسترشاد ، ويمضي على العادة التي عود نفسه على ذلك من الشرور والضلال.
ويحتمل أن يكون الأمام هو يوم القيامة ، ثم قال في موضع : (وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) [الإنسان : ٢٧] بعد ذكر ذلك اليوم بالأمام والوراء جميعا ؛ فيكون قوله : (وَراءَهُمْ) ، أي : وراء الأوقات التي خلت ومضت ؛ فعلى اعتبار الإضافة إلى الأوقات الماضية يكون يوم القيامة وراءها ، وعلى اعتبار الإضافة إلى ذلك الفاجر يكون أماما ؛ لأنه يكون أمام هذا الفاجر ؛ فكذلك استقام الوصف بالأمام والوراء جميعا.
ثم ذكر الفجور ، ولم يذكر الكفر وإن كان الإنسان الذي يريد أن يفجر أمامه كافرا ؛ لأن في ذكر (٢) الفجور تعييرا وتشيينا ؛ إذ هو (٣) اسم للتعيير خاصة ، وليس في نفس الكفر تعيير ؛ إذ كل أحد ـ مؤمنا كان أو كافرا ـ مؤمن بشيء كافر بشيء ، فالكافر من حيث اسمه لم يصر قبيحا ؛ بل بمعناه ما قبح ؛ فكان الفجور أبلغ في التعيير من الكفر ؛ فسمي به ، والله أعلم.
وقال أبو بكر : معنى قوله : (يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ، أي : يريد أن يعاين يوم القيامة ، ويعلم به أنه متى هو؟ تفسيره على أثره.
قوله ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ، أي : يريد أن يعلمه بسؤاله متى هو؟ فأخبر أنها تقوم إذا (بَرِقَ الْبَصَرُ) ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) سؤاله هذا سؤال تعنت واستهزاء ؛ لما ذكرنا أنه ليس في تعرف وقت كونه مزجر ولا مرغب ، وإنما يقع الزجر والرغبة بتذكير الأحوال التي تكون في ذلك اليوم ؛ فلذلك ذكر الأحوال التي تكون في ذلك اليوم ، ولم يوقفهم على ذلك الوقت متى يكون؟ إذ ليس في معرفة وقته كثير (٤) حكم ، فيجيبهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بجواب الحكماء ، لا أن يجيبهم بجواب مثلهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) :
قيل : دهش وتحير ، ثم اختلف بعد هذا :
__________________
(١) في ب : الشر قد.
(٢) في أ : ذلك.
(٣) في أ : هم.
(٤) في ب : كبير.