فمنهم (١) من صرف هذا إلى حالة الموت.
ومنهم (٢) من ذكر أن هذه الأحوال تكون يوم القيامة.
وإلى أي الحالين صرف التأويل ، فهو مستقيم ؛ لأن المنكر بالبعث إذا جاءه بأس الله تعالى ، ورأى ما حل به من الأهوال ـ أيقن بالبعث ، وعلم به.
ثم إن كان المراد به حالة الموت ؛ فقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) يخرج على التمثيل ، ليس على التحقيق ؛ لأن بصره إذا دهش وتحير ، صار بحيث لا ينتفع ببصر وجهه ، ولا ببصر قلبه ، لا يرى ضوء القمر ؛ فيصير القمر كالمنخسف ، وتصير الشمس والقمر كالمجموعين ، ولا يرى ضوء الشمس ولا نور القمر ؛ فيصير النهار عليه ليلا ، والليل نهارا ؛ شغلا بما حل به من البلايا والأهوال ، وهو كما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والآخرة جنة المؤمن وسجن الكافر» (٣) ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «من كره لقاء الله ، كره الله لقاءه ، ومن أحب لقاء الله ، أحب الله لقاءه» (٤) فصرفوا تأويل هذين الخبرين إلى حالة الموت ؛ وذلك أن الكافر يعاين في ذلك الوقت ما أوعد من الأهوال والشدائد ؛ فكره مفارقة روحه من جسده ؛ لئلا يقع في تلك الأهوال والشدائد ، وتصير الدنيا له في ذلك الوقت كالجنة ، لا يجب مفارقتها.
والمؤمن إذا عاين ما وعد له من البشارات ، وأنواع الكرامات ، ود الخروج من الدنيا ؛ ليصل إلى ما أعد له ؛ فتصير الدنيا عليه كالسجن في ذلك الوقت ؛ فيكون هذا كله على التمثيل من الوجه الذي ذكرنا.
وإن كان ذلك على يوم القيامة ، فهو على تحقيق الخسف ، وجمع الشمس والقمر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) :
يحتمل أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) ، أي : ليس لي موضع فرار عما حل بي.
أو يقول : إلى أين أفر؟ وإلى من ألتجئ ؛ لأتخلص من العذاب؟ والله أعلم.
ثم قوله ـ عزوجل ـ : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) :
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٥٥٦٢) وهو قول قتادة.
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٥٥٦٣) وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه ، كما في الدر المنثور (٦ / ٤٦٥).
(٣) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٢) كتاب الزهد (١ / ٢٩٥٦) ، والترمذي (٤ / ٤٨٦) كتاب الزهد (٢٣٢٤).
(٤) أخرجه البخاري (١١ / ٣٦٤) كتاب الرقاق (٦٥٠٧) ، ومسلم (٤ / ٢٠٦٥) كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (١٥ / ٢٦٨٤).