قال بعضهم : إذا شخص البصر نحو الداعي يوم القيامة ، وهو كقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم : ٤٢] ، فيشخص ببصره إلى الداعي ؛ لأنه قد علم أن الذي حل به من بأس الله تعالى هو لامتناعه عن الإجابة للداعي في هذه الدنيا ؛ فيسارع يوم القيامة في إشخاص بصره إلى الداعي ؛ ابتدارا منه إلى إجابة الداعي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخَسَفَ الْقَمَرُ) ، أي ذهب ضوؤه ونوره ؛ ففيه أن العالم في ذلك اليوم يغير ويبدل ، كقوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] ، وقال : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) [الكهف : ٤٧] ، وقال : (يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً. فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً) [طه : ١٠٥ ، ١٠٦].
وقوله ـ تعالى ـ : (وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) :
فيه أن سلطانهما يذهب ؛ فلا يعملان عملهما بعد ذلك.
ثم من الناس من زعم أنهما يجمعان يوم القيام كالبعيرين القرينين ، أو كالثورين القرينين ، فيلقيان في النار ، ويعذبان بها.
وذكر عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه أنكر هذا ، وقال : «إنهما خلقان لله تعالى ، طائعان له ـ عزوجل ـ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) [إبراهيم : ٣٣] يدأبان في طاعة الله تعالى ، ومن كان هذا وصفه ؛ فلا يجوز أن يعذب».
وعندنا أن إلقاءهما إن ثبت ، فهما يلقيان في النار ؛ ليعذب بهما غيرهما ، وهم الذين عبدوهما من دون الله تعالى ، وذلك كقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) الآية [الأنبياء : ٩٨] ، ومعلوم أن (١) الأصنام التي عبدت من دون الله لا تعذب بالنار ، ولكنها تجعل حصبا ونارا يعذب بها من عبدها ، وقال [الله](٢) تعالى : (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) [المدثر : ٣١] ، ولا يجوز أن يكون الملائكة يمسهم أذى النار ، بل هم الذين يعذّبون ؛ فعلى ذلك الشمس والقمر إن ثبت أنهما يلقيان في النار ، فهما يلقيان ؛ ليعذب بهما من عبدهما ، لا أن يعذبا بأنفسهما ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) جائز أن يكون قوله : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) على طلب الحيلة أن كيف أحتال إلى أن أفر؟ وإلى من ألتجئ ؛ لأتخلص من بأس الله وعذابه؟!
ويحتمل أن يكون قوله : (أَيْنَ الْمَفَرُّ) ، أي : ليس لي (٣) موضع فرار عما حل بي ؛
__________________
(١) في ب : بأن.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ ، ب : في.