ينتهي إليه نظره ؛ بل يكون وراء ذلك كرامات أخر ، فينصرف قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) إلى ذلك.
ويحتمل : أي : إلى أمر ربها ناظرة.
وإذا كان قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) محتملا أن يصرف إلى حقيقة النظر ، ويصرف إلى الكرامات من الوجوه التي بيناها ـ لم يكن لأحد أن يجعل الأمر على الكرامات ، فينفي عنه حقيقة الرؤية للأبد ؛ لا بل ظاهره يحيل القول بالرؤية ؛ فيدفع هذا التأويل بتلك الدلائل.
فأما إذا لم يمكنه إقامة الدلائل على إحالة الرؤية ، فليس له قطع هذا التأويل ، وصرف (١) التأويل إلى انتظار الكرامات ؛ فيكون الآية حجة في جواز الرؤية ، [و] إن لم تكن حجة في الوجوب ، والخلاف فيهما واحد.
واحتج من نفى صرف التأويل إلى حقيقة الرؤية بأن قوله : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) هو مقابل قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ) ، وقوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) مقابل قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ثم لم يكن قوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) على فقد الرؤية ، ولكن على العقاب نفسه ؛ فكذلك قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) ليس هو على حقيقة الرؤية ووجودها ؛ ولكن واقع على الثواب نفسه.
وجواب هذا الفصل من وجهين :
أحدهما : أن أهل العقاب بعد لم ينزل بهم جميع ما أوعدوا في هذه الدنيا من العقاب ، لما ذكرنا أن نهاية العذاب في تسود الوجوه وتكلحها ، ليس في بسورها ؛ فلذلك استقام أن يكون قوله : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) على نفس العذاب ، وأهل الجنة قد وصلوا إلى رفيع الدرجات وعظيم الكرامات بما وصفوا بنضارة الوجوه ؛ فاستقام أن يكون قوله : (إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) منصرفا إلى حقيقة النظر ، لا إلى غيره من الكرامات.
ولأن الرؤية من أعلى الكرامات وأرفعها ، وأهل العقاب لم ينالوا أدنى الكرامات ، فكيف يتوقعون أرفعها؟! أما أهل الجنة فهم قد نالوا من النعم والكرامات ما لا يحصى ؛ فجائز (٢) أن يكرموا بالرؤية أيضا.
والأصل أن القول بالرؤية عندنا واجب ، والنظر إليه ثابت ؛ كما قال ـ عزوجل ـ ولما جاء في غير خبر النظر إلى الله تعالى ، وقد قال ـ عليهالسلام ـ : «إنكم سترون ربكم يوم
__________________
(١) في ب : نصرف.
(٢) في ب : فجاز.