والانقياد لله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) :
أي : ولكن كذب بالأخبار التي جاءته.
(وَتَوَلَّى) ، أي : أعرض عن طاعة الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) ، أي : يتبختر ويتكبر (١) ، وذلك أن الاحتيال والتكبر إنما يليق بمن أتى بفعل عظيم يعجز غيره عن إتيان مثله ؛ نحو أن يهزم جندا عظيما ، أو يفتح كورة حصينة ، وهذا الذي تمطى لم يفعل سوى أن كذب بآيات الله تعالى ، وأعرض عن طاعته ، وما هذا إلا فعل السفهاء الحمقى ، فأنى يليق بمثله التمطي؟!
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى. ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) :
جائز أن يكون رسول الله صلىاللهعليهوسلم قيل له : قل : أولى لك فأولى.
أو كان رسول الله قال له : أولى لك فأولى ، فبين الله تعالى ذلك في كتابه.
وقال أهل التأويل : هذا وعيد على وعيد ، كأنه قال : «ويل لك فويل ، ثم ويل لك فويل».
وذكر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخذ بجميع ثيابه ، وقال له هذا ، فلم يتهيأ لذلك المسكين أن يدفع رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن نفسه ، وكان يفتخر بكثرة أنصاره ، وأنه أعز من يمشي بين الجبلين ، فالله تعالى بلطفه أذله وأهانه حتى لم يتهيأ له الحراك عما نزل به ، ولا نفعه قواه وكثرة أتباعه.
وجائز أن يكون قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) أي : أجدر لك ، وأحرى ، لا أن يكون محمولا على الإبعاد ؛ فيكون قوله : (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) ، أي : الأجدر لك أن تنظر فيما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ وفي الذي كان عليه آباؤك ؛ ليظهر لك الصواب من الخطأ ، والحق من الباطل ، فتتبع الصواب من ذلك ، فتحرز به شرف الدنيا والآخرة ؛ إذ كان يفتخر بشرفه وعزه ، فإن أردت أن يدوم لك الشرف ، فالأولى لك أن تنظر إلى ما ذكرنا ، فتتبع الصواب من ذلك.
والثاني : أن العرب كانت عادتها أن تقوم بنصر قبيلتها والذب عنها ، [سواء] كانت ظالمة في ذلك أو لم تكن ظالمة ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم كان من قبيلة أبي جهل ـ لعنه الله ـ فلو كان على غير حق عنده ، كان الأولى به أن ينصره ، ويعينه ، على ما عليه عادة العرب ، وإن كان محقا فهو أولى ، فترك ما هو أولى به من النصر والحماية ، والله أعلم.
__________________
(١) في أ : تجبر وتكبر.