ومنهم من ذكر أن الكافور شيء جرى ذكره في الكتب المتقدمة ، فذكر كذلك في القرآن.
ومنهم من قال : إنه عين من عيون الجنة.
ومنهم من صرفه إلى الكافور المعروف.
لكن قيل : إنه كناية عن طيب الشراب.
وقيل : إنه كناية عن برودة الشراب ؛ لأنه ذكر أن ذلك الشراب في طبعه كالكافور ؛ لأن ألذ الشراب عند الناس البارد منه ، لا أن يكون في نفسه باردا.
وذكروا أن الكأس لا تسمى : كأسا حتى يكون فيها خمر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ).
ومعناه : منها ، لا أن يقع شربهم بها.
وسميت العين : عينا ؛ لوقوع العين عليها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) :
فيه إخبار أن ماء العيون جارية يفجرونها من حيث شاءوا.
ثم المراد من ذكر العباد هاهنا هم الذين أطاعوا الله ـ تعالى ـ وقاموا بوفاء ما عليهم ، وهم الذين قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ) [الحجر : ٤٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) :
النذر هو العهد ؛ فجائز أن يكون أراد به الوفاء بكل ما أوجب الله تعالى من الفرائض والحقوق ؛ فتكون فرائضه عهده ؛ كقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي) [البقرة : ٤٠].
وجائز أن يكون أراد بالنذر ما أوجبوا على أنفسهم من القرب سوى ما أوجبها الله تعالى عليهم ؛ فيكون فيه إخبار أنهم قاموا بأداء الفرائض ، وتقربوا إلى الله تعالى مع ذلك بقرب أخر ؛ فاستوجبوا المدح بوفائهم بما أوجبوا على أنفسهم.
وقال : (ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها) [الحديد : ٢٧] ، فلحقهم الذم ؛ لما لم يقوموا برعاية حقه ، ليس بإيجابهم على أنفسهم ما لم يوجبه الله تعالى عليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) قيل (١) : استطار شر ذلك اليوم ،
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٥٧٧٦) وعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٨٣).