وقيل (١) : ذللت ، أي : سويت الأشجار ، لا يتفاوت بعضها بعضا ؛ يقول أهل المدينة إذا استوت عذوق النخلة : تذللت النخلة.
وقيل : ذللت ، أي : سخرت ؛ والتذليل : التسخير ، فيتناولون منها كيف شاءوا : إن شاءوا تناولوها وهم قيام ، وإن شاءوا تناولوها وهم جلوس ، أو نيام على الفرش.
وجائز أن يكون تسخيرها على ما ذكر عن بعض المتقدمين : أن شجر الجنة عروقها من فوق ، وفروعها من أسفل ، والثمار بين ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ).
فتأويل الأكواب يذكر في سورة : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) [الغاشية : ١].
ثم أخبر أن تلك الأكواب قوارير من فضة ، قيل (٢) : هي من فضة ، ولها صفاء القوارير ، يرى ما فيها من الشراب من خارجها ؛ لصفائها.
ثم الآنية من الفضة في أعين أهلها أرفع وأشرف من الإناء المتخذ من التراب ؛ فكذلك الصفاء الذي يكون بالفضة أبلغ وأرفع في أعين أهلها من الصفاء الذي يقع بالقوارير.
(قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ) على الأصل المعهود : أنه لا ينصرف ، وقرئ قوله : قواريرا على الوقف عليه موافقا لآخر سائر الآيات ، وقرئ (قَوارِيرَا) ، بالتنوين عند الوصل أيضا ؛ لأنه رأس الآية.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قَدَّرُوها تَقْدِيراً) :
أي : جعلت على قدر ريهم.
وقيل : يسقون على القدر الذي قدروه في أنفسهم ، وحدثت به أنفسهم ؛ فلا يقدرون في قلوبهم مقدارا إلا أتوا بها على ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) :
منهم من زعم أن العرب كانوا إذا أعجبهم شراب نعتوه ، وقالوا : كالزنجبيل ؛ فخرجت البشارة من الوجه الذي ترغب في مثله الأنفس.
ومنهم من ذكر أن الزنجبيل والسلسبيل واحد ، وهما اسم العين.
__________________
(١) قاله البراء بن عازب أخرجه الفريابي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وهناد بن السري وعبد بن حميد وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في البعث عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٨٦) ، وهو قول مجاهد وسفيان وغيرهما.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في البعث عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٤٨٧) وهو قول الحسن ، وقتادة ، ومجاهد.