يحتمل : واذكر باسم ربك.
أو صل باسم ربك ؛ كقوله : (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى : ١٥].
أو يقول : اذكر اسم ربك ، أي : كن ذاكرا له في كل وقت.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) :
البكرة : تحتمل صلاة الصبح ، والأصيل : يحتمل صلاة الظهر والعصر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) :
تحتمل صلاة الليل النوافل إن كان قوله : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) في صلاة (١) الفرائض ، وإن لم يكن في ذلك ؛ فيكون كأنه قال : واذكر ربك في كل وقت بالليل والنهار.
أو يقول : فليكن اسم ربك مذكورا ؛ حتى لا تخلو ساعة من هذه الساعات إلا وهو مذكور فيها ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) :
حب العاجلة مما طبع به الخلائق ؛ لأن كل طبع على حب الانتفاع والتمتع بالشيء ؛ فلا يلحقهم الذم بحب ما طبعوا عليه وأنشئوا ، ولكن إنما يلحق الذم من أحب الدنيا واختارها وآثرها على غير الذي جعلت الدنيا وأسست ؛ فالدنيا إنما أسست ، وجعلت ؛ ليكتسب بها نعيم الآخرة والحياة الدائمة اللذيذة ؛ فمن أحب لهذا ، فهو لا يلحقه بذلك ذم ، ولا تعيير ؛ ومن أحبها وآثرها لها ، واكتسبها لها ، فهو المذموم ، وأولئك كانوا مختلفين في ذلك ، لم يكونوا على فن واحد.
منهم من حمله حبه الدنيا على إنكار وحدانية الله ـ تعالى ـ وألوهيته.
ومنهم من حمله حبه إياها على تكذيب الرسل والتعادي لهم ، ومكابرة الحق.
ومنهم من حمله حبه إياها على إنكار البعث والجزاء لما عملوا.
ومنهم من حمله حبه الدنيا على التفريق بين الرسل ، أنكروا بعضا ، وصدقوا بعضا.
تولد من حبهم إياها ما ذكرنا ؛ فلحقهم الذم لذلك ، وكذلك ما ذكر من الإنفاق في الدنيا حيث قال : (مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ ..). الآية [آل عمران : ١١٧] ، فمن أنفق [من](٢) هذه الدنيا لها ؛ فتكون نفقته ما ذكر ؛ لأنه أنفق لغير ما جعلت له النفقة ؛ فكان ما ذكر ؛ فعلى ذلك من أحب الدنيا ، واختارها للدنيا
__________________
(١) في ب : صلوات.
(٢) سقط في ب.