لا لاكتساب ما ذكرنا من النعم (١) اللذيذة الدائمة والحياة الباقية التي لا انقطاع لها ، كان على ما ذكر.
ثم إذا ذكرت الدنيا ذكرت الآخرة وراءها ، وإذا ذكرت الآخرة على أثر ذكر الإنسان قيل : أمامه ؛ لأن الإنسان يقبل إليها ؛ فيكون ذلك أمامه وقدامه ؛ وأما عند ذكر (٢) الدنيا قيل : وراءها ؛ لأنها تخلفها ، وكل من خلف آخر يكون بعده ووراءه ؛ لأنه يكون عند فوت الآخر ؛ لذلك كان ما ذكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ) :
رجع إلى الاحتجاج عليهم لما أنكروا ، يقول : يعلمون أنا خلقناهم بدءا ، ونحن شددنا أسرهم ، أي : قوتهم.
أو (٣) نحن : شددنا خلقتهم ، ونحن وصلنا جوارحهم المتفرقة ومفاصلهم المتشتتة بعضها إلى بعض ، ونحن نبدل أمثالهم إن شئنا ، فما بالهم ينكرون قدرتنا على البعث والإعادة بعد الموت؟! يقول : من قدر على ما ذكر لا يعجزه شيء ، وهو على البعث أقدر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) :
يذكر بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) ، يحتمل (هذِهِ) ، أي : هذه السورة ؛ لأنه ذكر في أولها ابتداء إنشائهم وخلقهم ، وآخرها إعادتهم ، وفي خلال [ذلك] جزاء صنيعهم الذي صنعوا ؛ فيكون في ذلك تذكرة لهم.
ويحتمل قوله : (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) ، أي : الأنباء التي ذكرت في القرآن ، أو هذه المواعظ تذكرة لما لهم وما عليهم ، أو تذكرة لما لله عليهم ، وما لبعضهم على بعض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) :
هذا يخرج على وجهين :
أحدهما : يقول : قد مكن كلا أن يتخذ سبيلا إلى ربه ، أي : لا شيء يمنعه [عن اتخاذ السبيل إلى ربه إذا شاء ، لكن من لم يتخذ إنما لا يتخذ ؛ لأنه لم يشأ](٤) أن يتخذ سبيلا ؛ وإلا قد مكن له ذلك.
__________________
(١) في ب : النعيم.
(٢) في أ : ركن.
(٣) في أ : أي.
(٤) سقط في ب.