والثاني : يقول : من شاء اتخاذ السبيل ، فليتخذ السبيل إلى ربه ، على ما يذكر على الاستقصاء بعد هذا ، إن شاء الله تعالى.
ثم [قوله ـ تعالى ـ](١) : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) :
يقول ـ والله أعلم ـ : من شاء اتخاذ السبيل إلى ربه لا يتخذ إلا أن يشاء الله أن يتخذ السبيل إلى ربه ، فعند ذلك يتخذ ، وهذا على المعتزلة لأنهم يقولون : إن الله تعالى قد شاء لجميع الخلائق أن يتخذوا إلى ربهم سبيلا ، لكنهم شاءوا ألا يتخذوا إلى ربهم سبيلا ؛ فلم يتخذوا ، وقد أخبر أنهم لا يشاءون اتخاذ السبيل إليه ، ولا يتخذون إلا أن يشاء الله لهم اتخاذ السبيل فعند ذلك يتخذون ما ذكر ، ويشاءون.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) :
إن الله ـ تعالى ـ لم يزل عليما بصنع خلقه من التكذيب له والتصديق ، [و] من الطاعة له والمعصية ، أي : على علم منه بصنيعهم أنشأهم وخلقهم ، حكيما في فعله ذلك وخلقه إياهم على ما علم منهم بكون الآية إنما خلقهم وأنشأهم ؛ لمنافع أنفسهم ولحاجتهم ، لا لمنافع ترجع إليه ، أو لمضار يدفع عن نفسه ؛ فخلقه إياهم وبعثه الرسل إليهم على علم بما يكون منهم من التكذيب والرد لا يخرج فعله عن الحكمة والحق ؛ بل يكون حكيما في ذلك ، وأما من يبعث الرسول في الشاهد ، إلى من يعلم أنه يكذبه ، ويرد رسالته وهديته ، ويستخف به ـ سفه ليس بحكمة ؛ لأنه إنما يرسل الرسل ويبعث هديته ؛ لمنافع تكون للمرسل ؛ فعلمه بما يكون منه سفه ليس بحكمة ؛ لذلك افترقا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) :
هذا على المعتزلة ـ أيضا ـ لأنه ذكر أنه يدخل من يشاء في رحمته ، وهم يقولون : قد شاء أن يدخل كلا في رحمته ؛ لأنه شاء إيمان كل منهم ، والله تعالى أخبر أنه يدخل من يشاء في رحمته ؛ دل ذلك على أنه لم يشأ أن يدخل في رحمته من علم منه (٢) أنه يختار الضلال ؛ ولكن إنما شاء أن يدخل في رحمته من علم منه أنه يختار الهدى ، فأما (٣) من علم منه اختيار غيره ، فلا يحتمل أن يشاء ذلك له ، والله أعلم (٤).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) :
أي : وشاء ـ أيضا ـ من علم منه الضلال أن يعد له عذابا أليما.
__________________
(١) في ب : قال.
(٢) في ب : منهم.
(٣) في ب : وأما.
(٤) في ب : والله الموفق.