وعن الحسن : هي السموات (١).
وقال الزجاج : المعصر : هو الذي قد أتى وقت إرسال القطر منه ؛ كما يقال : مجرز لما أتى وقت جرازه.
ثم في إنزال الماء من المعصرات تذكير النعم والقدرة والحكمة ، وكل وجه من هذه الأوجه الثلاثة يوجب القول بالبعث :
فأما وجه تذكير النعم ، فهو أن القطر ينزل من السماء متتابعا ، ثم الله ـ تعالى ـ بلطفه يمنع اتصال بعض ببعض والتصاقه ، ويرسل كل قطرة إلى الأرض بحيالها ، وينزل بعضها على أثر بعض ؛ لينتفع بها ، ولو التصق بعضها ببعض واتصل ، لم يقم لها شيء ؛ فكانت تصير سببا للتعذيب والإهلاك ، فبفضله ورحمته أنزلها متتابعة ؛ لينتفع بها الخلق ، ويتمتعوا بها.
وفيه تذكير القوة والحكمة ـ أيضا ـ لأنه أنشأ السحاب الثقال ، وساقه إلى الموضع الذي قدر أن يرسل القطر هنالك ، ومعلوم أن ذلك (٢) الإرسال ليس من فعل السحاب ؛ لأن السحاب يمتنع عن إرسال القطر حتى ينتهي إلى الموضع الذي أمر بإرسال القطر فيه ، ولو كان ذلك للسحاب نفسه ، لكان أينما مر يعمل في الإرسال ، ولو كان ذا ثقب لكانت الريح متى دخلت في الثقب أرسل السحاب ما أنشئ فيه من القطر ، فإذا (٣) لم يوجد ذلك بان أن الله ـ تعالى ـ بحكمته وقدرته ولطفه هو الذي أنشأ فيه ذلك ، ودبر إرساله ، لا أن يكون ذلك عمل السحاب ، ولو (٤) أراد أحد من حكماء الأرض أن يعرف المعنى الذي له صلح ذلك السحاب أن يستمسك فيه القطر ، ولا يستمسك في مكان آخر ، لم يقف عليه ، فذكرهم ، ليعلموا أن حكمته ليست على الوجه الذي ينتهي إليه حكم البشر ، ولا قدرته مقدرة بقوى البشر ؛ بل هو قادر على ما يشاء ، فعال لما يريد.
وفيه أن تدبير السماء والأرض والهواء يرجع إلى الواحد القهار ؛ إذ لا يتهيأ لأحد أن يمنع القطر المرسل من السماء عن الوصول إلى الموضع الذي أمر أن ينتهي إليه.
والثجاج : القطر المتتابع بعضه على إثر بعض ، والثج : الصب ، والإراقة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً) :
جائز أن يكون ذكر الحب ؛ لأن المقصود من زراعة ما يكون له الحب ـ الحب ؛
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٦٠٢٣) وهو قول قتادة أيضا.
(٢) في ب : تلك.
(٣) في ب : وإذا.
(٤) في ب : فلو.