عنه بالحيل والأسباب ، ثم النوم كأنه من أثقل الأحمال وأشدها ، ثم إذا زايل الإنسان ، وعاد المرء إلى حال اليقظة ، وجد في نفسه خفة وراحة ومن شأن هذا الإنسان : أنه إذا حمل الحمل الثقيل ، مسه من ذلك فتور وكلال لا يزول عنه ساعة ما يضع الحمل عن نفسه ؛ بل يبقى ذلك الكلال فيه إلى مدة ، فمن تدبر في أمر النوم ، دله على عظيم شأنه وعجائب تدبيره.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) ، فهذا اللباس لباس الأعين لا غير ؛ ألا ترى أنه لا يستغنى بلباس الليل عما أخذ عليه من اللباس للصلاة ، ولا يعمل لباس الليل عمل اللباس المعروف في دفع أذى البرد والحر.
وقال بعضهم (١) : اللباس : السكن ؛ كما قال في آية أخرى : (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) [الأنعام : ٩٦] وكأن الذي حملهم على هذا التأويل هو أن تمام السكن والراحة يقع بالنوم ؛ فصرفوه إليه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) ، أي : يتعيش فيه ، لا أن يكون نفسه معاشا ، كما سماه : مبصرا ؛ لما يبصر به ، لا أنه في نفسه مبصرا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً) ، أي : السموات ، فذكرهم ؛ هذا لينبههم على قدرته وسلطانه ؛ فعرفوا أنه فعال لما يريد ، قادر على ما يشاء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) ، فكأن السراج هو الشمس هاهنا ، جعلها تتوهج وتتلألأ ما بين السماء والأرض.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً) : منهم من ذكر أن المعصرات هي السحاب التي أنشئ (٢) فيها القطر ؛ يقال للجارية التي قد دنت حيضتها : معصرة ، فشبه السحاب بمعاصر الجواري.
وقيل (٣) : سمى السحاب : معصرا ؛ لأنه يعصر المطر.
وقيل (٤) : هي ذوات الأعاصير ؛ يعني : الرياح ، كقوله : (فَأَصابَها إِعْصارٌ) [البقرة : ٢٦٦] ، أي : ريح.
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٠٠٧).
(٢) في ب : ليس.
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٠٢١) وهو قول سفيان أيضا.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٠١٤) ، وعبد بن حميد ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، والخرائطي من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٠).