وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ. ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) :
منهم من ذكر أن هذا وعيد على وعيد ، وقد ذكرنا أن حرف الوعيد ما يكرره العرب فيما بينهم للتأكيد ، كما يقال : هيهات هيهات ، وأولى لك فأولى.
وجائز أن يكون قوله : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) على علم دلالة ، وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) على علم المشاهدة والعيان.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً) ، أي : بساطا ، (وَالْجِبالَ أَوْتاداً) ذكر أن الأرض لما خلقت مادت بأهلها ، فأرساها الله ـ تعالى ـ بالجبال ؛ لطفا منه ، لا أن جعلها سببا للإرساء ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً. فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً. لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٥ ـ ١٠٧] ، فقد جعلها في ذلك الوقت مستمسكة ثابتة مستقرة بدون الجبال ؛ فثبت أنها ليست بسبب للإرساء في التحقيق ، ويكون فيه تعريف الخلق وجوه الحيل في الأمور إذا تعذر (١) عليهم الوصول إليها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً) قيل : ألوانا ؛ فيكون في هذا إبطال الحكم بقول القائف ؛ لأنهم يستدلون بالتشابه في الألوان ، ويحكمون بها (٢) ، فلو كان الأمر على ما قدروا ، لارتفع الاختلاف في الألوان ؛ فيكون الخلق كلهم على لون واحد.
وقيل : (أَزْواجاً) : فرقا شتى ؛ ليعرف كل منهم عنصره ، ومنتهى أصله.
وقيل (٣) : (أَزْواجاً) ، أي : جعل لكل أحد شكلا من جنسه ؛ فجعل للذكر أنثى زوجا من جنسه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً) ، قيل : السبات : التمدد.
وقيل : السبات : النوم الذي لا حركة فيه ؛ ولهذا قيل للذي شبه بالميت (٤) : مسبوت.
وقيل (٥) : السبات : الراحة ؛ ولذلك سمى : السبت ؛ لأنه يوم راحة وترك العمل في بني إسرائيل.
ثم في إنشاء النوم (٦) دليل سلطانه ، ودخول الخلق بأجمعهم تحت تدبيره ؛ إذ لم يتهيأ لأحد الاحتراز من النوم حتى لا يعتريه ؛ بل يقهر الجبابرة فيذلهم ، ولا يمكنهم الخلاص
__________________
(١) في ب : بعدت.
(٢) في ب : فيها.
(٣) انظر تفسير ابن جرير (١٢ / ٣٩٧).
(٤) في أ : الذي شبيه بالموت.
(٥) انظر تفسير ابن جرير (١٢ / ٣٩٧).
(٦) في ب : اليوم.