الملائكة بقوله : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً) [الفرقان : ٢٥].
وقوله ـ تعالى ـ : (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً) :
جائز أن يكون شبهها بالسراب ؛ لما أنها إذا سيرت لم توجد في المكان الذي رآها فيه الناظر كالسراب الذي يرى من بعد إذا رآه الناظر ، فأتاه لم يجده شيئا ، لا أن تكون الجبال في الحقيقة سرابا ؛ لأن السراب هو الذي يتراءى من البعد أنه شيء ، ولا شيء في الحقيقة ، وأما الجبال وإن سيرت فهي في نفسها شيء.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) : منهم من ذكر أنها كانت في علم الله ـ تعالى ـ أنها ترصد على من حقت عليه كلمة العذاب فتعذبه ، ولا يمكنه الفرار عنها.
وقيل : ترصد بشهيقها وزفيرها من استوجب العذاب ؛ فتعذبه وتتقرب به إلى ربها بطواعيتها له ، وسخطها على من سخط الله عليه.
وقيل (١) : معنى المرصاد : أن يكون ممر كل كافر ومؤمن عليها ، لكن الكافر يقع فيها ، والمؤمن ينجو عنها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِلطَّاغِينَ مَآباً) ، أي : مرجعا ، والطاغي هو الذي تعدى حدود (٢) الله تعالى ، وضيع حقوقه ، وكفر بأنعمه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، ذكر الأحقاب ، ولم يبين منتهى العدد ، ولو كان اللبث فيها يرجع إلى أمد في حق الكفرة ، لكان يأتي عليه البيان ؛ كما أتى البيان على منتهى يوم القيامة بقوله : (فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] ، وقال : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤] ، فلما لم يبين ، ثبت أنه لا يرجع إلى حد ، وإلى هذا ذهب الحسن.
ومنهم من ذكر أن معناه : أنهم يلبثون ثلاثة أحقاب ، والحقب ثمانون سنة ، يعذبون بلون من العذاب ، ثم يعذبون بلون آخر من العذاب بعد ذلك ، لا أن ينقطع عنهم العذاب بعد مضي الأحقاب ، والأحقاب هي النهاية في الأوقات ، فذكر النهاية في الأوقات ، وما يكبر فيها ؛ ليعلم أنهم أبدا فيها ؛ كما قال : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] ؛ لأنهما هما اللذان عرفا بالدوام ؛ فاقتضى ذلك معنى الدوام ، فكذلك ذكر ما هو النهاية من الأوقات يعرف أنهم أبدا فيها مقيمون.
__________________
(١) قاله الحسن بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٦٠٤٤ ، ٣٦٠٤٥) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠١) وعن سفيان وقتادة مثله.
(٢) في أ : حد.