وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) ، فذكر بعضهم (١) أن البرد هو النوم.
ومنهم من ذكر أن معناه : الروح ، والراحة.
وقال بعضهم (٢) : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً) يقطع عنهم الحر ، (وَلا شَراباً) يقطع عطشهم ، (إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً) فالحميم : هو الماء الذي قد انتهى في الحر نهايته ، والغساق : الزمهرير.
وقال بعضهم (٣) : هو ما ينفصل عن أبدانهم من الصديد والزهومة ، وهو الودك ؛ فمعناه ـ والله أعلم ـ : أن الذي يتطعم به أهل النار لا يعذبهم (٤) ، ولا يجدون به مستمتعا ، بل يصير ذلك سبب إهلاكهم ، لا أن يقع لهم بذلك البرد راحة وشفاؤهم ؛ كما وصفهم الله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) [طه : ٧٤] ، فيبقون أبدا في الهلاك لا يقضى عليهم فيستريحوا ، ولا ينقطع عنهم العذاب فيتلذذوا بالحياة.
وقيل : الغساق : لون من العذاب ، لم يطلع الله تعالى عليه عباده.
وقوله ـ عزوجل ـ : (جَزاءً وِفاقاً) ، أي : وافق جزاؤهم أعمالهم ، لا ينقصون ، ولا يزدادون على قدر ما استوجبوا ، بل يجزون مثل أعمالهم.
وجائز أن يكون معناه : أن جزاءهم وافق أعمالهم في الخبث.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) :
منهم من ذكر أنهم لا يخافونه.
ومنهم من حمله على حقيقة الرجاء ، أي : لم يكونوا يرجون الثواب.
والوجه فيه : أنهم كانوا قوما لا يؤمنون بالبعث ولا بالجزاء والعذاب حتى يخافوا العقاب ، ويرجوا الثواب.
فإن حملته على الخوف ، فهم لم يخافوه ؛ لما لم يؤمنوا به ، وكذلك إن حملته على حقيقة الرجاء ، فهم لم يكونوا يرجونه ؛ لما كذبوا به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً) ، فالكذاب والتكذيب في لغة العرب واحد ؛ والآيات : جائز أن يراد بالآيات آيات البعث ، ويراد بها آيات الوحدانية ، وآيات الرسالة ، ونحوها.
__________________
(١) قاله مرة أخرجه ابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٣).
(٢) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٣) وهو قول أبي العالية أيضا.
(٣) قاله أبو رزين أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٠٦٥ ، ٣٦٠٦٧) وهو قول عكرمة وإبراهيم وسفيان وقتادة وغيرهم.
(٤) كذا في أ.