وضيعها ، فمصيره إلى ما ذكر من قوله : (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً. لِلطَّاغِينَ مَآباً) [النبأ : ٢١ ، ٢٢] ، وسيعلم ذلك بقوله : (كَلَّا سَيَعْلَمُونَ) [النبأ : ٤] إن حمل هذا على الوعيد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَواعِبَ أَتْراباً) قيل (١) : الكاعب : هي التي تكعب ثدياها ، وذلك حين تبلغ أن تحيض ، وهي ناهد ، وهي أشهى ما يكون إلى الرجال.
والأتراب المستويات في السن ؛ ففي هذا إنباء أنهن يكن أبدا على سن واحد ، لا يتغيرن عن تلك الحال ، ولا يهرمن.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكَأْساً دِهاقاً) ، قيل (٢) : ملآنا.
وقيل (٣) : صافيا.
وقيل (٤) : متتابعا.
فوصفه بالملآن ؛ ليعلم أن ذلك الشراب لا ينقص (٥) ما داموا يشربون ؛ خلافا لما عليه شراب أهل الدنيا.
ومن حمله على الصفاء ، فمعناه : أنه صاف عن الآفات والمكروه التي تكون في شراب أهل الدنيا من التصديع وإذهاب العقل ، وغير ذلك.
ومن حمله على التتابع ، فمعناه : أن ذلك الشراب لا ينقطع ، ولا ينفد ما داموا في شربه ، بل يتتابع عليهم ، ولا يحدث فيهم حال تمنعهم عن الشرب من السكر وغيره ؛ فيمتنعوا عن شربه ؛ خلافا لشرب أهل الدنيا.
وروي عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : «كنا إذا استحثثنا الساقي في الجاهلية ، قلنا : داهق لنا» ، أي : تابع لنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً) ، أي : لا يسمعون فيها ما يحق أن يلغى ، بل يسمعون فيها كل خير ، والذي يحق أن يلغى ما ذكروا من الحلف والباطل والكذب ؛ فلا يسمعون شيئا من ذلك كما يسمع من أهلها في الدنيا إذا شربوها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كِذَّاباً) إن قرئ بالتخفيف فهو من الكذب ؛ أي : لا يكذبون.
وإن قرئ بالتشديد فهو من التكذيب ؛ أي : لا يكذب بعضهم بعضا ؛ فكان معناه : أن
__________________
(١) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٠٩٩ ، ٣٦١٠٠) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٤).
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٦١٠٦ ، ٣٦١٠٧) وهو قول أبي هريرة والحسن ومجاهد وغيرهم.
(٣) قاله عكرمة أخرجه ابن جرير عنه (٣٦١١٩).
(٤) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٦١٢١) ، وعبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٥).
(٥) في ب : ينتقص.