والثاني : المبارك ، يعني : به ينال كل بركة وخير.
ويجوز أن يجمع في المبارك معنى التنزيه من العيوب ومعنى البركة ؛ لأنك إذا وصفته بالبركة فقد وصفته بالبراءة من كل عيب وأضفت إليه كل بركة ويمن ؛ كما روي في الخبر أن قول : «سبحان الله نصف الميزان ، والحمد لله تملأ الميزان» (١) ، وكان معناهما عندنا أن قول : «سبحان الله» يختص بتبرئته من العيوب ، «والحمد لله» ينتظم معنى التنزيه من العيوب ، ومعنى إضافة النعم كلها إليه ، فإذا كان فيه هذان المعنيان جميعا ، جاز أن يمتلئ به الميزان ، ولما اختص «سبحان الله» بتطهيره من العيوب ، ولم يتعده إلى غيره ، أخذ نصف الميزان ، والله أعلم.
وكذلك هذا الاختلاف في تأويل قوله : (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) [المائدة : ٢١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ).
العزيز : يعني : الغالب القاهر ، لا يعجزه شيء.
أو يجوز أن يكون العزيز مقابل الذليل ، والذليل ينتظم كل فقر وحاجة وضعف ؛ فالواجب : أن ينتظم العزيز ـ إذا كان ضدّا ومقابلا ـ كل شرف ومكرمة وغناء وقوة ، والله الموفق.
والحكيم : قالوا : هو الذي يضع الأشياء مواضعها ، فالله تعالى حكيم حيث وضع الأشياء مواضعها التي جعلها الله تعالى مواضع لها ، أو الحكيم : هو الذي لا يلحقه الخطأ في التدبير ، وهو معنى المصيب أيضا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ).
احتج أهل الكتاب علينا أن الله تعالى إنما بعث محمدا رسولا إلى الأميين خاصة بهذه الآية ، وفهموا منها تخصيص الأميين بإرسال الرسول إليهم ، فيقتضي نفيه عن غيرهم.
ولكن نقول : لا يجب أن يفهم من الآية نفي ما ذكر في ظاهرها ، بل يفهم منها ظاهرها دون النفي ، والتخصيص بالذكر لا يحتمل على النفي ؛ لأنه إذا حمل التخصيص بالذكر على نفي غيره ، أدى إلى ما لا يستقيم ولا يحل ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) [العنكبوت : ٤٨] حيث لم يفهم أنه لم يخطه بيمينه أن كان خطه بشماله ، ولا من قوله : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا) [العنكبوت : ٤٨] أنه كان يتلى عليه ،
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٢٠٣) كتاب الإيمان ، باب : الطهارة ؛ باب : فضل الوضوء (١ / ٢٢٣) من حديث أبي مالك الأشعري ، بلفظ : «الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملئان (أو تملأ) ما بين السموات والأرض ...» الحديث.