سبيل الضلال والهدى ، ولم يصد أحدا عن سبيل [الضلال و](١) الهدى ، وبين أن من سلك سبيل الضلال فمآبه إلى النار ، ومن سلك سبيل الرشد والهدى ، فمآبه إلى الجنة ، وذلك مآبه إلى الله تعالى ، واتخاذ السبيل إليه تعالى.
وقوله : (إِنَّا أَنْذَرْناكُمْ عَذاباً قَرِيباً) ، أي : العذاب الذي أوعدهم به قريب مأتاه ، وإن استبعدتموه في أوهامكم ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ ما قَدَّمَتْ يَداهُ) ، فجائز أن يكون هذا منصرفا إلى الخلائق أجمع مؤمنهم وكافرهم.
ثم تخصيص الأيدي بالذكر هو أن التقديم والتأخير في الشاهد يقع بالأيدي ؛ فأضيف إليها ، وإن احتمل ألا يكون للأيدي صنع (٢) فيما ارتكب من الآثام ، أو فيما فعل من الخيرات ، وهو كالمطر يسمى : رحمة الله ، وإن لم يكن ذلك من أوصافه ؛ لأنه برحمة الله ما ينزل من السماء ، وسمي الكلام : لسانا وإن لم يكن هو لسانا ؛ لأنه باللسان ما يتكلم ؛ فكذلك (٣) التقديم أضيف إلى الأيدي ؛ لما بها يقع التقديم في الشاهد وإن لم يكن للأيدي صنع (٤).
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) ، ذكر هذا التمني في الكافر دون المؤمن ؛ لأن المؤمن يرى حسناته متقبلة وسيئاته مغفورة ؛ فيأمن من عقاب الله تعالى ، والكافر يرى نفسه مؤاخذة بالسيئات ، ولا يرى لها حسنات متقبلة ؛ فيتمنى أن يكون ترابا ؛ ليتخلص عن عذاب الله.
وقال بعضهم (٥) : إن الوحوش تحشر والطيور كلها ، ثم (٦) يقول الله ـ تعالى ـ : «كوني ترابا» ؛ فيتمنى الكافر في ذلك الوقت أن يكون ترابا ، والله أعلم [بالصواب](٧).
* * *
__________________
(١) سقط في ب.
(٢) في ب : صنيع.
(٣) في ب : فذلك.
(٤) في ب : صنيع.
(٥) قاله أبو هريرة أخرجه ابن جرير (٣٦١٦١) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في البعث والنشور عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٧) وهو قول عبد الله بن عمرو ، وقتادة ، وسفيان ، وغيرهم.
(٦) في ب : و.
(٧) سقط في ب.