والصواب (١) أن يكون مقيما فيما دان (٢) به من التوحيد.
وذكر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه مر بعجوز وهي تدعو فتقول : «اللهم اجعلني من أهل شفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم» فقال لها : قولي : «اللهم اجعلني من رفقاء محمد صلىاللهعليهوسلم في الجنة ؛ فإن شفاعته لأهل الكبائر من أمته».
قال ـ رضي الله عنه ـ : وبهذا الفصل (٣) تعارضنا المعتزلة ، فتقول : إذا قلتم : اللهم [اجعل لنا](٤) من شفاعة محمد نصيبا ، فقد قلتم : اللهم اجعلنا ممن يرتكب الكبائر ؛ إذ شفاعته في زعمكم لأهل الكبائر.
فالجواب عن هذا أن الذي ابتلي بارتكاب الكبائر دون الشرك إنما ينال الشفاعة بما سبق منه من الخيرات من التوحيد وتعظيمه ربه ـ عزوجل ـ فمحاسنه (٥) التي سبقت منه هي التي تجعله محلا للشفاعة ، ولولاها ما نالها ، فإذا قال : اللهم اجعل لي من شفاعة نبيك نصيبا ، فهو يقول : اللهم وفقني على فعل الخيرات ، واجعلني ممن يعظمك ويتقرب إليك بالطاعة حتى أنال بها الشفاعة ، لا أن يقصد بدعائه جعله من أهل الكبائر ، والذي يدل على صحة ما ذكرنا قوله : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات : ١٤٣ ، ١٤٤] فأخبر الله تعالى أن تسبيحه ما أنقذه من بطن الحوت ، ولو لم يكن مسبحا لم يستوجب الخلاص ، وكذلك صاحب الكبيرة يستوجب الشفاعة ، ويرجى له الخلاص بما سبق منه من الحسنات دون أن يستوجبها لارتكاب الكبيرة.
ثم من قول المعتزلة : أنهم يرون الصغائر مغفورة لأربابها إذا اجتنبوا الكبائر ؛ فيقال لهم : إن من دعا الله تعالى ، وسأله المغفرة ، فكأنه يدعو ، فيقول : اللهم ابتلني بالصغائر حتى تغفرها [لي](٦) ، فإن قلتم بأن دعاءه بالمغفرة لا يقتضي ما عارضناكم به ، فقولوا كذلك فيمن يقول : «اللهم اجعل لي من شفاعة محمد صلىاللهعليهوسلم نصيبا» : إنه لا يقتضي أن يجعله من أهل الكبائر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُ) قيل : معناه : ألا يقال في ذلك اليوم غير الحق.
وجائز أن يكون منصرفا إلى اليوم نفسه ؛ فيكون معناه : أن كونه حقا يكون لا محالة.
وقوله : (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ مَآباً) ، أي : مرجعا ؛ تأويله : أن الله تعالى بين للخلق
__________________
(١) في ب : فالصواب.
(٢) في أ : نال.
(٣) في ب : الفضل.
(٤) في ب : اجعلنا.
(٥) في ب : فمحاسبته.
(٦) سقط في ب.