وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) ، فالرب : المالك ، فذكر أنه مالك السموات والأرض وما بينهما ؛ ليعلموا أنه لم يمتحن أحدا بعبادته لحاجة تقع له ، أو لمنفعة تصل إليه ، بل هو الغني ، وله ما في السموات وما في الأرض ، وأن منفعة ما امتحنوا به من العبادات راجعة إلى أنفسهم إذا وفوا بها ، وإذا لم يقوموا بأدائها كان الضرر راجعا إليهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الرَّحْمنِ) بين أنه رحمان ؛ ليرغبوا في رحمته ، ويتسارعوا إلى مغفرته.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً) هيبة من الله تعالى ، وتعظيما لحقه ؛ فلا يملكون من هيبته الخطاب بالشفاعة أو بالخصومة أو بأي شيء كان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا) ، اختلف في الروح :
فمنهم من قال (١) : هو جبريل ، عليهالسلام.
ومنهم (٢) من صرفه إلى أرواح المسلمين.
ومنهم من ذكر أنهم الحفظة على الملائكة يرون الملائكة ولا تراهم الملائكة.
وجائز أن يكون الروح الكتب المنزلة من السماء ، كما قال : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) [النحل : ٢] ؛ فتكون الكتب مخاصمة مع من ضيع حقها ونبذها وراء ظهره ، وشافعة (٣) لمن أدى حقها ، وعمل بما فيها.
ومنهم من ذكر أن هذا من المكتوم الذي لا يفسر ؛ قال الله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) ، جائز أن يكون هذا منصرفا إلى الشافع ؛ أي : الشافع لا يقول فيما يشفع غير الصواب ، وما حل به من الرهبة والخوف من هيبة الله تعالى لا يزيله عن التكلم بالحق ؛ بل الله تعالى يثبته على الحق ، ويجرى على لسانه الصواب.
وقال بعضهم : معناه : لا يشفع إلا من قال في الدنيا صوابا ، وهو الحق.
وقيل (٤) : معناه : أنه لا ينال من الشفاعة حظا إلا من قال في الدنيا الصواب ،
__________________
(١) قاله الضحاك أخرجه ابن جرير (٣٦١٣٥ ، ٣٦١٣٦) ، وعبد بن حميد ، وأبو الشيخ عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٦).
(٢) قاله ابن عباس بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٦١٤٦) ، والبيهقي في الأسماء والصفات عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٦).
(٣) في ب : شافعا.
(٤) قاله مجاهد بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٦١٥١) ، والفريابي ، وعبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٠٧).