نُخْلِفُهُ) [طه : ٥٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَحَشَرَ فَنادى. فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) : ذلك اللعين قد علم أنه ليس برب السماء والأرض ، ولكن قد اتخذ لقومه أصناما فأمر العوام منهم أن يعبدوها ؛ ليقربهم ذلك إليه (١) ، لكن إذا صاروا من خاصته أذن لهم بأن يعبدوه ، وأمر الخواص منهم بعبادته ، فسمى نفسه : أعلى الأرباب ؛ لهذا.
وقوله : (فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى) : منهم من يقول (٢) : أخذه بعقوبة الكلمتين جميعا : الكلمة الأولى : قوله : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) [القصص : ٣٨] ، والكلمة الثانية : قوله : (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى).
ومنهم من يقول : أخذه بعقوبة ما تقدم من الإجرام وما تأخر إلى أن غرق.
ومنهم من يقول (٣) : أخذه بالعقوبة في الدنيا والآخرة ، فغرقه في الدنيا ، وعذب روحه بعد مماته بقوله : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) [غافر : ٤٦] ، ويدخل في النار مع أتباعه بقوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] ؛ فاتصلت (٤) عقوبة الدنيا بعقوبة الآخرة.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى) :
وفي ذلك كله عبرة ، لكن الذي يعتبر بها من يخشى العواقب ، ويخاف عقوبة الله تعالى.
وقوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) :
جائز أن يكون هذا صلة قوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) [النازعات : ٦] ؛ فيكون في قوله : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ).
وفي قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) تقرير له أيضا.
ثم قوله : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ) يحتمل أوجها :
أحدها : أن إعادتهم خلقا جديدا وبعثهم أيسر في عقول منكري البعث من خلق السموات ، وقد أقروا أنه خالق السماء ، فإذا لم يتعذر عليه خلق السماء ، وإن كان خلقها أشد في عقولهم من خلق أمثالهم ، فما بالهم ينكرون بعثهم وإعادتهم إلى ما كانوا عليه ،
__________________
(١) في أ : عليه.
(٢) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٢٦٣ ، ٣٦٢٦٤) وهو قول مجاهد ، والشعبي ، والضحاك ، وغيرهم.
(٣) قاله الحسن أخرجه ابن جرير (٣٦٢٧٤ ، ٣٦٢٧٥) ، وعبد بن حميد وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥١٣) ، وهو قول قتادة أيضا.
(٤) في ب : فانقلب.