وذلك أهون في عقولهم.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن السماء مع شدة خلقها أشفقت على نفسها ، فأبت قبول ما عرض عليها من الأمانة ، وخافت نقمة الله ـ تعالى ـ [فما بال](١) هذا الإنسان مع ضعفه يمتنع عن الإجابة إلى ما دعي إليه ؛ أفلا يشفق على نفسه ، ولا يخاف نقمة الله تعالى ، وما خلقت النار والجنة إلا لأجل الإنس ، فيذكرهم بهذا ؛ ليخوفهم ويرتدعوا عما هم فيه من الطغيان ويجيبوا إلى ما دعاهم إليه الرسول.
وجائز أن يكون هذا صلة قوله : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، فيخبر أن السماء مع شدتها وطواعيتها لا تقوم بذلك اليوم ؛ فكيف [يقوم الإنسان](٢) لهول ذلك اليوم مع ضعفه؟! فيرجع هذا ـ أيضا ـ إلى التخويف.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَناها. رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها) : (بَناها) : أي : خلقها ، (رَفَعَ سَمْكَها) : سقفها ، (فَسَوَّاها) بالأرض ، أو سواها على ما توجبه الحكمة ويدل على الوحدانية.
قال إمام الهدى أبو منصور ـ رضي الله عنه ـ : ثم لم يفهم أحد من قوله : (بَناها) ما يفهم (٣) من البناء المضاف إلى الخلق ، ولا فهم من الرفع ما يفهم من الرفع المضاف إليهم ، ولا فهم من قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) ما يفهم من البسط المعروف المنسوب إلى الخلق ، فما بال [بعض](٤) الناس فهموا من المجيء الذي أضيف إلى الله تعالى ما فهموا من المجيء الذي يضاف إلى الخلق ، فلولا آفة حلت بهم حملتهم (٥) على أن يفهموا منه المعنى المكروه ، وإلا لم تنصرف أوهامهم إلى مثل ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَغْطَشَ لَيْلَها) ، قيل (٦) : أظلم (٧) ليلها ، (وَأَخْرَجَ ضُحاها) : ففي ؛ إظلام الليل ، وإخراج الضحى ما ينفي عن منكري البعث الشبه التي تعترض لهم ، وذلك أنه يغطش في ساعة لطيفة ويغشى ظلمتها كل شيء ، ثم يتلفها في أدنى وهلة ، ويفنيها
__________________
(١) في ب : فما نال.
(٢) في أ : تقوم.
(٣) في ب : يقيمه.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : حملهم.
(٦) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٢٨٤ ، ٣٦٢٨٥) ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥١٤) وهو قول مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، وغيرهم.
(٧) في ب : وأظلم.