كأنها لم تكن ، ثم يعيدها بعد ما أتلفها (١) حتى لو أراد [أحد أن يميز](٢) بين الأولى والثانية لم يقدر عليه ، بل وقع عنده أن الأولى هي الثانية ، والثانية هي الأولى ، وهذا بعد ما تلفت الظلمة الأولى ، وذهبت كلها حتى لم يبق منها أثر ؛ فلأن يكون قادرا على إعادتهم خلقا جديدا بعد ما أفناهم ، وقد بقي من آثار الخلق الأول بعضه ـ أولى.
ثم أضاف ذلك إلى السماء ؛ لأن بدأ هما يظهر من عندها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) قالوا : بسطها :
فمنهم من يقول : خلقها مجتمعة ، ثم بسطها بعد ما خلق السموات ؛ ألا ترى أنه قال : (دَحاها) ، ولم يقل : خلقها.
ومنهم من ذكر أنه خلق سماء الدنيا أولا ، ثم خلق الأرضين بعد ذلك ، ثم خلق السموات الست من بعد.
ومنهم من ذكر أنها كانت قبل أن تبسط تحت بيت المقدس ، ثم بسطها بعد ذلك.
قال أبو بكر : هذا لا يحتمل ؛ لأنه لا يجوز أن تكون بجملتها وسعتها تحت بيت المقدس ، والله أعلم.
ولكن معناه عندنا ـ إن كان على ما قالوا ـ [فهو] منصرف إلى الجوهر ؛ أي : الجوهر الذي خلق منه الأرض كان هنالك ، لا أن كانت بجملتها تحته ؛ كما خلق هذا الإنسان من النطفة وإن لم يكن بكليته في النطفة ، وخلق من التراب وإن لم يكن بكليته على ما هو عليه في التراب ، وكان معناه : أنه خلق من ذلك الجوهر ؛ فعلى ذلك الحكم فيما ذكره.
ومنهم من زعم أن خلقهما كان (٣) معا.
وذكر عن الحسن أن الأرضين خلقت قبل السماء بقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ ..). [البقرة : ٢٩] ، وقال في موضع آخر : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] ، وقال : اسم السماء ما ارتفع من الشيء كما يقال للسقف : سماء ؛ لارتفاعه عن الإنسان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) : ذكر ما أنشأه لنا ؛ لنحمده ، وما أخرج منها للأنعام لتذكير النعم ـ أيضا ـ لنشكره ونحمده عليه ؛ إذ الدواب خلقت لنا ، فما رجع إلى منافعها فهي راجعة إلينا ، إذ بها ما نصل إلى الانتفاع بالدواب.
__________________
(١) في أ : بلغها.
(٢) في ب : إحداث تمييز.
(٣) في ب : كانا.