وقوله ـ عزوجل ـ : (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى) وقرئ (لمن ترى) فتضيف الرؤية إلى الجحيم ؛ كقوله : (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) [الفرقان : ١٢].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِمَنْ يَرى) جائز أن تكون الرؤية كناية عن الحضور والدخول ؛ فيكون قوله : (لِمَنْ يَرى) أي : لمن يدخلها ويحضرها ، وهو كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦] ، ومعناه : أن رحمة الله للمحسنين ، وقال تعالى : (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) [الأعراف : ١٩] ، وأريد بالقرب : التناول ؛ فكنى عنه بالقرب ؛ فجائز أن تكون الرؤية هاهنا كناية عن الدخول والحضور ؛ فيكون فيه إخبار عن إحاطة العذاب بجميع أبدانهم.
وجائز أن يكون أهل الرؤية هم أهل الجنة ، فيرونها مشاهدة ؛ فيتلذذون بذلك لما نجوا وفازوا بالنعيم ، كما تألموا بذكرها عند ما كانت غائبة لا يرونها ؛ قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ) [المؤمنون : ٦٠] ، وقالوا : (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ. فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا ..). الآية [الطور : ٢٦ ، ٢٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَمَّا مَنْ طَغى) ، أي : عصى ، وتمرد.
أو طغى بأنعم الله ـ تعالى ـ فاستعملها في معاصيه ، أو جاوز حدود الله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا) جائز أن يكون إيثاره أن يبتغي بمحاسنه الحياة الدنيا حتى أنساه ذلك عن الآخرة ، وإذا ابتغى بها الحياة الدنيا ، لم يبق له في الآخرة نصيب ؛ لأنه قد وفي له عمله ؛ ألا ترى إلى قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى) ، أي : يأوي إليها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) :
جائز أن يكون أريد بالمقام حساب ربه أو مقامه عند ربه ، فأضيف إلى الله تعالى ؛ لأن البعث مضاف إليه ، فكل أحواله أضيف إليه أيضا.
وجائز أن يكون الخوف راجعا إلى الحالة التي هو فيها ؛ فيخاف أن يكون مقامه في موضع نهى الله تعالى عن المقام فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى) ، ليس هذا نهي قول ، وإنما نهيه إياها أن يكفها عن شهواتها ولذاتها ، وكفها أن يشعرها عذاب الآخرة ، ويخوفها آلامها وعقابها ، فإذا فعل ذلك سهل عليها ترك الشهوات الحاضرة ، وسهل عليها العمل للآخرة ، والناس في نهي النفس عن هواها على ضربين :