فمنهم من يقهرها فلا يعطيها شهواتها ، فهو أبدا في جهد وعناء.
ومنهم من يذكرها العواقب ويريها ما أعد لأهل الطاعة ، ويعلمها ما يحل بالظلمة ؛ فيصير ذلك لها كالعيان ؛ فتختار لذّات الآخرة على لذات الدنيا ؛ إذ ذلك أدوم وألذ ، ويسهل (١) عليه العمل للآخرة (٢) ، والهوى هو ميل النفس إلى شهواتها ولذتها ؛ ففيه أن الأنفس جبلت على حب الشهوات والميل إليها ، ولا تنتهي عن ذلك إلا بما ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) :
هي القيامة ، سميت : ساعة ؛ لما يخف (٣) أمرها على من إليه تدبيرها.
أو سميت : ساعة ؛ لسرعة كونها إذا أتى وقتها.
أو سميت : لقربها إلى الحالة التي كانوا عليها ؛ كقوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١].
ثم إن كان هذا السؤال من المؤمنين فهو سؤال استهداء ، كأنه لما قيل لهم : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) [الانشقاق : ١] ، قالوا : متى تكون الساعة؟ فنزلت هذه الآية.
وجائز أن يكون السؤال من الكفرة ؛ لما ذكرنا أنه ليس في تبيين وقتها كثير منفعة حتى تقع الحاجة للمسلمين إلى تبيينه بالسؤال ؛ فيسألونه سؤال استهزاء واستخفاف برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويسألونه استعجالها بقوله : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) [الشورى : ١٨] ؛ فكانوا يسألونه عن شيء يعلمون أنهم متعنتون في السؤال ؛ قصدا منهم للتمويه والتلبيس على الضعفة والأتباع ؛ لأنهم كانوا يعلمون أن ذلك الوقت ليس هو وقت مجيء الساعة ، فإذا طلبوا الاستعجال علموا أنه لا يتهيأ له أن يريهم في ذلك الوقت ؛ إذ ذلك يخرج مخرج خلاف الوعيد (٤) ؛ فيحتجون (٥) على الضعفة أنه لو كان صادقا في مقالته : إن الساعة تكون ، لكانوا متى طلبوا مجيئها ، يأتيهم بها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها) ، أي : لست أنت من علمها في شيء.
هذا إن ثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يطلع عليها [أو لست أنت من أخبارها في شيء ؛ إذا لم يثبت ، ولم يعلم أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يطلع عليها](٦).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها) ، أي : منتهى علمها ؛ فيكون هذا نهيا للسائلين
__________________
(١) في أ : وسهل.
(٢) في ب : لآخرته.
(٣) في أ : إما ليخف.
(٤) في ب : الوعد.
(٥) في أ : فيحتسبون.
(٦) سقط في أ.