وصلاح الدين والدنيا ، فهو محمود عند ذوي الأحلام والنهى.
ولأن إقباله على القوم إذ كان ؛ لمكان دعائهم إلى الإسلام ، وقد أمرنا بدعاء الكفرة إلى الإسلام ، وإن كان في دعائهم إتلاف أنفسنا وأموالنا ، فلأن يسوغ الدعاء من وجه ليس فيه إلا تعبيس الوجه على واحد من المسلمين ـ أولى ، ولكن النبي صلىاللهعليهوسلم وجد منه هذا النوع من الإيثار ؛ اجتهادا ورأيا ، والأنبياء ـ عليهمالسلام ـ قد جاءهم العتاب من الله ـ تعالى ـ بتعاطيهم أمورا لم يسبق من الله ـ تعالى ـ لهم الإذن في ذلك ، وإن كان الذي تعاطوه من الأمور أمورا محمودة في تدبير الخلق ؛ نحو ما عوتب يونس ـ عليهالسلام ـ وعوقب بمفارقة قومه بغير إذن ، وإن كان مثل تلك المفارقة لو وجدت (١) من واحد من أهل الأرض ، استوجب بها الحمد ، وحسن الثناء ؛ لأن تلك المفارقة لا تخلو من أحد (٢) أمور ثلاثة :
أحدها : أن قومه كانوا أهل كفر ، وكانوا له أعداء في الدين ، ففارقهم ؛ لينجو منهم ، ويسلم له دينه ، ومثل (٣) هذا لو وجد من غير الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ عد ذلك من أفضل شمائله.
والثاني : أن في مفارقته من بين أظهرهم تخويفا لهم وتهويلا ؛ لأن القوم [من قبل](٤) كان لا يفارقهم نبيهم من بين أظهرهم إلا وقتما يريد أن ينزل بهم العذاب ؛ فكان في مفارقته إياهم تخويفهم وتهويلهم ، فيدعوهم ذلك إلى الانقلاع عما هم عليه من الضلال ، والفزع إلى الله ـ تعالى ـ ومن خوف آخر بأمر يكون فيه دعاؤه إلى الهدى وردعه عن الضلال ، فقد أبلغ في النصيحة ، واستقام على الطريقة.
والثالث : أنه يفارقهم ؛ ليستنصر بغيرهم [فينصرونه عليهم](٥) ، ويتقوى بهم ؛ ليكون على دعائهم إلى الإسلام أمكن وأقدر ، ومن كانت مفارقته من قومه على هذه النية ، فلنعم المفارق هو ، ثم عوتب مع هذا كله ، وذكر الله ـ تعالى ـ في الكتاب قصته للوجه الذي ذكرنا ؛ فكذلك الوجه في معاتبة نبينا محمد [عليه أفضل الصلوات وأكمل التحيات](٦).
ومنهم من ذكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يقصد إلى تعبس الوجه على ابن أم مكتوم ، ولا تولى
__________________
(١) في ب : وجد.
(٢) في أ : إحدى.
(٣) في ب : وقيل.
(٤) سقط في ب.
(٥) في ب : فينصرونهم عليه.
(٦) بدل ما بين المعقوفين في ب : صلىاللهعليهوسلم.