وبين الولي والعدو ، والعقل يوجب التفرقة بينهما ، فهو بإنكاره البعث كابر عقله وعانده ، فما أشد كفر من هذا وصفه.
ثم قوله ـ تعالى ـ : (ما أَكْفَرَهُ) أي : أي شيء أكفره؟ فيكون في ذكره تعجيب لمن آمن من الخلائق وتذكير لهم عن سوء من هذا فعله وسوء معاملته مع ربه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) فكأنه قال : إن الذي كفر قد علم أنه خلق من نطفة ، وتلك النطفة موات ، لا سمع فيها ولا عقل ، ولا شيء من الجوارح ، ثم الله تعالى بلطفه وعجيب حكمته دبر فيها بصرا يرى بفتحة واحدة ، وفي أدنى وهلة مسيرة خمسمائة عام ، وقدر فيها عقلا يرى به ملكوت السموات والأرض ، وقدر فيها السمع ، والبصر ، وغيرهما من الجوارح ، أفترى أن من بلغت قدرته هذا يعجز عن إحياء من أماته وعن بعثه بأقل من لحظة.
أو يكون قوله : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ) تعريفا منه أنه خلقه من نطفة ، ويكون في ذكره ما ذكرنا من الفوائد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَقَدَّرَهُ) ، أي : سواه على وجه يكون فيه دلالة ربوبيته وشهادة وحدانيته.
أو قدره على ما فيه صلاحه ومنفعته.
أو قدره على [ما يشاء](١) من القصر والطول ، والدمامة والملاحة ، وغير ذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) يحتمل أن يكون المراد من السبيل الدين ، فكأنه يقول : يسر له سبيل درك ذلك السبيل إلى الله ـ تعالى ـ على ما ذكرنا أن الدين إذا أطلق أريد به دين الله تعالى ، وكذلك الكتاب المطلق يراد به كتاب الله تعالى ؛ فعلى ذلك : السبيل إذا ذكر مطلقا كان منصرفا إلى سبيل الله تعالى.
أو يسر له السبيل : سبيل الهدى ، وسبيل الضلال ، والسبيل الذي لو سلكه نفعه ، والسبيل الذي يضره.
أو يسر له السبيل الذي علم الله أنه يختاره ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى ..). [الليل : ٥ ـ ١١].
أو يسر عليه سبيل الخروج من بطن أمه على ضيق ذلك الموضع وكبر جثته ؛ ليعلموا أن من بلغت قوته هذا فهو قادر على ما أراد ، لا يعجزه شيء ، ولا يخفى عليه أمر.
__________________
(١) في أ : منشأ.