وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) ، ففي ذكر هذا ذكر النعم ، وهو أن الله ـ تعالى ـ جعل لما يخبث ويتغير كنا يكن فيه ؛ فيستره عن (١) الخلق ؛ لئلا يعافوه ويستقذروه ، لم يجعل ذلك لغيرهم ، وجعل لأنفسهم إذا هم تغيرت [أجسادهم](٢) بالموت ، وصارت بحيث تستخبث وتستقذر ـ كنا تستتر فيها ؛ لتغيب عن الخلق ؛ فلا يتأذوا بها ، فذكرهم هذا ؛ ليشكروه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) معناه ـ والله أعلم ـ : كذلك إذا شاء أنشره ؛ لأن هذا كله إخبار في موضع الاحتجاج ، فكأنه قال : إن الذي خلقه من نطفة وقدره ، ثم أماته فأقبره ، فهو كذلك ينشره إذا شاء ، وكذلك هذا في قوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، أي : إن الذي أحياكم ، ثم أماتكم ، فكذلك هو الذي يحييكم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) :
منهم من ذكر أن هذا الخطاب في كل أحد ، لا ترى إنسانا قضى جميع ما عليه من الأمر على حد ما أمر حتى لا يغفل عنه ولا يقصر فيه ؛ بل من الله ـ تعالى ـ على كل أحد في كل طرفة عين نعمة ، لا يتهيأ لأحد أن يقوم بكنه شكرها حتى لا يقع منه في ذلك جفاء ولا تقصير.
ومنهم من يقول : هذا في الكفار خاصة ، لا يقضون ما أمروا به من التوحيد.
فإن كان على هذا فهو منصرف إلى ابتداء الأمر.
وإن كان على الوجه [الأول](٣) ، فهو منصرف إلى كنه الأمر ، ويستقيم توجيهه إلى الكافر ، على ما ذكروا ؛ لأن [إيمان المؤمن له حكم](٤) التجدد في كل وقت ؛ إذ هو في كل وقت مأمور باجتناب الكفر ، فهو يجتنبه ، فذلك يكون (٥) ، وإذا كان كذلك ، ثبت (٦) أنه في كل وقت مؤمن ؛ لما أمر به هو مجتنب عما نهي عنه ، فهو بإيمانه راجع عن الزلات في كل حال ، معتقد للوفاء بما أمر به ؛ لذلك كان صرفه إلى الكافر أوجه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) كيف قدر له حيث استعمل فيه
__________________
(١) في ب : على.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : الذي ذكرنا.
(٤) في ب : لإيمان المؤمن حكم.
(٥) هكذا في الأصول.
(٦) في ب : يثبت.