ولا يكذبون الرسول ؛ فأقسم بهذه الأشياء على التأكيد لحججه (١) ؛ ليعلموا أنه رسول من عنده ، أو أن القرآن من عنده ، أو أن الأوامر (٢) من عنده ، أو الرسول من عنده.
أو يكون القسم تلقينا من الله ـ تعالى ـ لرسوله بأن يقسم لهم بهذه الأشياء ؛ ليزيل عنهم الشبه (٣) والشكوك التي اعترضت للكفرة في أمره ـ عليهالسلام ـ ويدعوهم إلى النظر في حججه وآياته.
ثم القسم بما لطف من الأشياء ودق ، وبما كثف وغلظ ، وبما كبر وصغر ، وبما ظهر وخفي ، تتفق كلها في إزالة الشبهة وإثبات التوحيد والرسالة والبعث ، بل الأعجوبة فيما لطف من الأشياء أعظم منها فيما كثف وغلظ ، فأقسم مرة بالكواكب ، ومرة بظلمة الليل وما يضحى ، وبما شاء من خلقه ؛ إذ الخلائق كلها في الشهادة على وحدانيته وإثبات ربوبيته وإثبات علمه وحكمته وقدرته وسلطانه ـ متفقة.
ولأن ما لطف من الأشياء وخفي منها يتصل بما ظهر منها ، فيتضمن ذكر ما خفي منها واستتر ذكر ما ظهر منها ، وفي ذكر ما ظهر منها ذكر منشئها ؛ فيكون القسم في الحقيقة بالله تعالى.
ثم اختلف في (الخنس) و (الكنس) :
قال أبو بكر : إن (الخنس) هي النجوم تخنس بالنهار ، وتظهر بالليل.
وقال الحسن : الخنس : هي النجوم اللاتي يطلعن في مطالعها ويغبن في مغاربها ، و (الْكُنَّسِ) : هي النجوم اللاتي يطلعن في مطالعها [ثم](٤) يكنسن ويختفين إلى أن يعدن إلى مطالعهن فيطلعن.
وقيل (٥) : (بِالْخُنَّسِ. الْجَوارِ الْكُنَّسِ) هي خمس كواكب لهن مجار في السماء يظهرن بالليل ويستترن بالنهار ، وسائر الكواكب ثوابت.
ثم قيل : الخنوس والكنوس واحد ، وهو الاختفاء والغروب في مغاربها والدخول فيها.
وقيل : الخنوس : الاختفاء ، والكنوس : التأخر ، وكذا قال الفراء : هي النجوم الخمسة
__________________
(١) في ب : بحججه.
(٢) في ب : الأمر.
(٣) في ب : الشبهة.
(٤) سقط في ب.
(٥) قاله علي بن أبي طالب أخرجه ابن أبي حاتم من طريق الأصبغ بن نباتة عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٢٨).