تخنس في مجراها ، وترجع.
وفي حديث كعب : «فتخنس بهم النار كما تخنس النجوم الخنس» ، أي : تحيد بهم وتتأخر ، والله أعلم.
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : هي الوحوش اللاتي تخنس من الإنس ، وتكنس في مكانسهن (١) ، وأيما كان فهي كلها دالة على الوجوه التي ذكرنا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) قيل : إذا أقبل.
وقيل (٢) : إذا أقبل وإذا أدبر.
وقوله : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) : إذا انفجر ، وإذا ارتفع ، وفي إقبال الليل وإقبال النهار تثبيت القدرة والسلطان ؛ وذلك أن ظلمة الليل إذا غشت سترت عن وجوه الأشياء وكشف [النهار] عنها الستر ، ولو أراد أحد أن يغطي الأشياء كلها بالحيل والأسباب لم يتمكن منها ، ولو أراد نزع الغطاء عنها ، لم يملك (٣) ، فذكرهم هذا ؛ ليعلموا أن من بلغت قدرته هذا لا يعجزه أمر ، ولا يتعذر عليه البعث ؛ بل هو قادر على إحيائهم وبعثهم.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) فموضع القسم على هذا ، وعلى قوله ـ تعالى ـ : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ).
ثم تأويل قوله : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) ، أي : هذا الذي أتاكم به محمد صلىاللهعليهوسلم تلقاه عن رسول كريم على ربه ، وهو جبريل ـ عليهالسلام ـ ثم نسب هاهنا إلى الرسول ؛ لما سمع منه ، ولم يكن من قبله ، وقال في آية أخرى : (حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ)(٤) [التوبة : ٦] فسماه : كلام الله ؛ على الموافقة ، أو لما أن ابتداءه يرجع إليه ، لا أن يكون المسموع كلامه ، كما يقال : هذا قول أبي حنيفة رحمهالله ، وهذا قول فلان الشاعر ، وليس الذي سمعته قول من نسب إليه ، ولكن نسب إليه ؛ لأن ابتداءه يرجع إليه ؛ فكذلك سمي : كلام الله ؛ لأنه يدل على كلامه ، ولما يرجع إليه ابتداؤه ، لا أن يكون هو نفس كلامه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) وفي وصفه بالقوة فائدتان :
إحداهما : ما ذكرنا أن فيه بيان الأمن عن تغيير يقع فيه من الأعداء من الجن والشياطين
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٣٦٤٨٨ ـ ٣٦٤٩١) ، وعبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، والفريابي ، وابن سعد ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم وصححه من طرق عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٢٩).
(٢) قاله مجاهد أخرجه ابن جرير (٣٦٥٠٦) ، وعبد بن حميد عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣٠).
(٣) في ب : يتملك.
(٤) زاد في ب : على الموافقة.