والإنس ، يحتجز عنهم بقوته ؛ فلا يتمكنون منه حتى يغيروه ويبدلوه ، ووصفه بالأمانة في نفسه ليأمن الخلق ناحيته.
أو وصفه بالقوة على التخويف والتحذير للذين عادوا محمدا صلىاللهعليهوسلم فيخبرهم أن معه من يدفع عنه شرهم وكيدهم إن هموا ذلك به.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لجبريل ـ عليهالسلام ـ : «إن الله تعالى وصفك بالقوة فما أثر قوتك؟ فقال : لما أمرني الله تعالى بإهلاك قوم لوط ـ عليهالسلام ـ فقلعت قرياتهم ورفعتها بجناح واحد إلى السماء ثم قلبتها» (١).
وليس بنا إلى أن نعرف قوته حاجة ، وإنما بنا الحاجة إلى أن نعرف ما المعنى والحكمة في ذكر قوته؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ) : إن كان المراد من العرش : الملك ، فمعناه : عند ذي الملك مكين ؛ أي : ذو قدرة ومنزلة.
وقيل : العرش : السرير ، فإن كان كذلك ، فتأويله : أنه مكين عند من له سرير الملك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) قيل : إن جبريل ـ عليهالسلام ـ رسول إلى الملائكة كما هو رسول إلى الناس (٢) ، فإن كان كذلك ففيه إخبار أن الملائكة الذين يعبدها بعض الكفرة يطيعون جبريل ـ عليهالسلام ـ فيما يأمرهم وينهاهم ، فما بالهم يتركون طاعته والائتمار بأمره؟!.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثَمَّ أَمِينٍ) ، أي : هم يأتمنونه (٣) ، ولا يتهمونه في شيء مما يجيء به إليهم ، فكيف يتهمه هؤلاء فيما يأتي إلى الرسول من الوحي؟!.
وقوله : (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) منهم من يقول بأن الكفرة نسبوه إلى الجنون حين رأى رسول الله صلىاللهعليهوسلم جبريل على صورته فغشي عليه ، وكان يتغير في كل مرة يأتي به جبريل ـ عليهالسلام ـ بالوحي (٤) لون وجهه ؛ فينسبونه إلى الجنون لهذا.
ومنهم من يقول : إنما نسبوه إلى الجنون ؛ لأنه أظهر المخالفة لأهل الأرض ، وكان في أهل الأرض الجبابرة والفراعنة الذين من عادتهم القتل والتعذيب لمن أظهر الخلاف لهم ؛ فكان ذلك منه مخاطرة بنفسه وروحه ؛ حيث انتصب لمعاداة من لا طاقة له بهم ، ومن قام
__________________
(١) أخرجه ابن عساكر عن معاوية بن قرة بنحوه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣٠).
(٢) في ب : الإنس.
(٣) في ب : بالمثوبة.
(٤) في ب : الوحي.