وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) ، فإن كان قوله : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ) على تحقيق المشيئة ، فمعناه : أنكم لا تشاءون الاستقامة ـ على ما ذكرنا ـ إلا أن يشاء الله.
وإن كان على تحقيق الفعل ، فتأويله : أنكم ما استقمتم على الطريقة إلا بمشيئة الله تعالى.
وقال بعضهم : تأويل قوله : (وَما تَشاؤُنَ) ، أي : لم تكونوا تشاءون إنزال هذا الكتاب ، فأنزله الله تعالى على رسوله ـ عليهالسلام ـ بغير مشيئتكم.
وهذا غير محتمل عندنا ؛ لأنه قد سبق من القوم الإرادة والسؤال بإرسال الرسول إليهم بقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) [فاطر : ٤٢] ، فثبت أنه قد سبق منهم السؤال بإرسال الرسول وإنزال الكتاب عليه ، لكن تأويله ما ذكرنا.
ثم في هذه الآية دلالة أن كل من شاء الله تعالى منه الاستقامة توجد منه الاستقامة ، ولا يجوز أن يشاء من أحد استقامته ولا يستقيم ، كما قالت المعتزلة ؛ لأن الله ـ تعالى ـ منّ على من استقام بمشيئة استقامته ، فلو لم توجد الاستقامة من كل من شاء منه الاستقامة ، لم يكن للامتنان معنى ؛ لأن الاستقامة وغير الاستقامة تكون به ، لا بالله تعالى ، والله المستعان ، [ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم](١).
* * *
__________________
(١) سقط في ب.