يوجب الجهل لا العلم.
والجواب عن الفصل الثالث : ما ذكرنا أنه يعتقد المذهب للأبد ، فكذلك الجزاء يتأبد ، ولا ينقطع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ. ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ) ، قال بعضهم : إنك لم تكن تدري ، فدراك الله تعالى.
وقال بعضهم (١) : هذا على التعظيم لذلك اليوم ، والتهويل عنه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) ، وذلك اليوم يوم تجرى فيه الشفاعات ، فيشفع الأنبياء لكثير من الخلق فيشفع لهم ، وإذا كان كذلك فقد ملكت نفس لنفس شيئا ، ولكن تأويله يخرج على أوجه ثلاثة :
أحدها : أن الكفرة كانوا يتوادون فيما بينهم ؛ ليتناصر بعضهم بعضا في النوائب ، فقال : (لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [العنكبوت : ٢٥].
أو لا تملك نفس لنفس شيئا إلا بعد أن يؤذن لها ؛ كما قال ـ عزوجل ـ : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨] ، وقد يجرى التشفع في الدنيا لا بالاستئذان من أحد.
أو يكون معناه : أن كل نفس سيتبين لها في ذلك اليوم أنها لم تكن تملك شيئا إلا بالتمليك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، أي : لا ينازع فيه ، وهو في كل وقت لله ـ تعالى ـ لكن الظلمة ينازعونه في هذه الدنيا.
أو (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) ، أي : يتبين لكل أحد في ذلك اليوم بأن الأمر لله ـ عزوجل ـ في ذلك اليوم وقبل ذلك اليوم ، والله المستعان ، [ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم](٢).
* * *
__________________
(١) قاله قتادة أخرجه ابن جرير (٣٦٥٧٣) ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٣٥).
(٢) سقط في ب.