رينا ، ثم يرتقي إلى الطبع إلى أن يصير كالقفل على القلب ، وفي هذا دليل على أن لله تعالى تدبيرا وصنعا في أفعال العباد ؛ لأنه أنشأ للكفر ظلمة في القلب حتى تمنعه تلك الظلمة عن درك الخيرات ونور الإيمان ؛ إذ كل من اعتقد الكفر فهو ليس يعتقده ؛ ليمنعه عن درك الأنوار ، وإذا لم يوجد منه هذا ، ثبت أنه صار كذلك بتدبير الله ـ تعالى ـ وصنعه ؛ إذ لا يجوز أن تحدث الظلمة في القلب إلا بمحدث لها ، وإذا انتفى الصنع من الكافر (١) ثبت أنه بتدبير (٢) الله ـ تعالى ـ ما صار كذلك ، وأنه أنشأه مظلما ، والله الموفق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ، اختلف في قوله : (يَوْمَئِذٍ).
فذكر أبو بكر الأصم : أن هذا في الدنيا ، يقول : إنهم حجبوا عن عبادة ربهم بما عبدوا غير الله تعالى ؛ فصارت عبادتهم غير الله حجابا من عبادته.
وذكر أهل التفسير : أن هذا في الآخرة.
ثم منهم (٣) من يقول : إنهم حجبوا عن لقاء ربهم ، وأوجبوا بهذا القول الرؤية للمؤمنين.
ومنهم من يقول : هم محجوبون ، أي : عن كرامته (٤) التي أعدها لأوليائه ، وعن رحمته ، فعوقبوا بالحجب عن ذلك ؛ جزاء لصنيعهم ؛ لأنهم في الدنيا ضيعوا نعم الله ـ تعالى ـ فلم يقبلوها بالشكر ، ولم يؤمنوا برسوله الذي بعثه رحمة للعالمين ؛ فأبلسوا من رحمته وكرامته في الآخرة ؛ عقوبة لهم ومجازاة ، وهو كقوله تعالى : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، أي : جعلهم كالشيء المنسي الذي لا يعبأ به ؛ فعلى ما وجد منهم من المعاملة لآياته وحججه بتركهم الالتفات إليها عوملوا بمثله في الآخرة.
وقال في آية أخرى : (قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) [طه : ١٢٥].
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) : من صرف الحجب إلى الدنيا ، فهو يقول : ثم إنهم يصلون الجحيم بعد ما عبدوا غير الله تعالى ، وحجبوا عن عبادته.
ومن صرف التأويل إلى أمر الآخرة ، فهو يقول : إنهم يصلون الجحيم بعد ما يظهر فيهم من أثر الحجاب من سواد الوجوه ، وإعطاء الكتاب بشمالهم ومن وراء ظهورهم.
__________________
(١) في أ : الكلام.
(٢) في ب : تدبير.
(٣) قاله الحسن بنحوه أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٦٤٦).
(٤) في أ : ذكر الله.