الخيرات : نورا ، وسمى الكفر الذي هو في النهاية من الشرور : ظلمة (١) ، فإذا كان الإيمان منورا للقلب ، والكفر مظلما ، فإذا اشتغل بالأسباب الداعية إلى الكفر شيئا بعد شيء من الآثام (٢) ، فكل سبب من ذلك يعمل في إظلام القلب حتى تتم الظلمة ؛ على ما روي عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول (٣) الله صلىاللهعليهوسلم سئل عن هذه الآية ، فقال : «هو العبد يذنب الذنب ، فتنكت في قلبه نكتة سوداء ، فإن تاب منها صفا قلبه ، وإن لم يتب ، وعاد فأذنب ، نكتت في قلبه نكتة سوداء ، وإن عاد نكتت (٤) في قلبه حتى يسود القلب أجمع ؛ فذلك الرين» ، ومن يرد الله أن يهديه يشرح صدره شيئا فشيئا بأسباب تتقدم الإيمان حتى يحمله ذلك على الإيمان ؛ فذلك تمام الانشراح.
وعلى هذا يخرج تأويل ما روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أن الإيمان يبدأ نقطة بيضاء في القلب ، كلما ازداد عظما ، ازداد ذلك البياض ، فإذا استكمل الإيمان ابيض القلب كله.
ومعنى قوله : «يبدأ نقطة بيضاء» إلى قوله : «حتى يستكمل الإيمان» ، عندنا بالأسباب الداعية إلى الإيمان ، فلا يزال ينشرح منه شيء فشيء حتى يؤمن ، لا أن يكون الإيمان ذا أجزاء ، ولكن للإيمان مقدمات ؛ فينشرح شيء فشيء بكل مقدمة منه حتى يفضي به إلى الإيمان.
ثم إن الله ـ تعالى ـ سمى السواتر عن الإيمان بأسام ، مرة قال : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [النحل : ١٠٨] ، ومرة قال : (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ..). الآية [فصلت : ٤٦] ، ومرة : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] ، فكأن الذين وصفوا بالقفل على قلوبهم هم الذين انتهوا في الكفر غايته حتى لا يطمع منهم الإيمان ، وهم المتمردون المعتقدون للتكذيب ، وهم الرؤساء منهم والأئمة.
ومنهم من هو مطبوع على قلبه ، وهم الذين اعتقدوا الكفر لا عن تمرد وعناد ، ولكن لما لم تلح لهم الأسباب الداعية إلى الإيمان.
وذكر الزجاج أن أول منازل الستر : الغبن ، وهو الستر الرقيق كالسحاب الرقيق في السماء ، يعمل في غشاء القلب غشاء السحاب الرقيق بلون (٥) السماء ، ثم إذا ازداد سمي :
__________________
(١) في أ : الشر والظلمة.
(٢) في أ : الإثم.
(٣) في ب : نبي.
(٤) في ب : نكت.
(٥) في ب : يكون.