الفائدة ، فيما وصف جبريل ـ عليهالسلام ـ بالقوة والأمانة بقوله : (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [التكوير : ٢٠ ، ٢١] ، فوصف بالأمانة ؛ ليؤمن الخلق عن خيانته في الكتاب وتغييره ، ووصفه بالقوة ؛ ليعلم أن غيره لا يتهيأ له أن ينتزع منه ما أرسل على يده ، فيغيره ، فكذلك وصفه بالختم والأعلام ؛ ليؤمن من الزيادة فيه والنقصان.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ، أي : للمكذبين بجميع ما يحق عليهم تصديقه ، وذلك يكون بالإيمان بالله تعالى ، وبآياته ، ورسله ، وبالبعث.
وقوله ـ عزوجل ـ : (الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) : الدين اسم لشيئين : اسم للجزاء (١) ، واسم للاستسلام والخضوع ؛ فسمي : يوم الدين ؛ لما يدانون بأعمالهم ، أو لما يستسلمون لله ـ تعالى ـ في ذلك اليوم ويخضعون له ، وفي تكذيبهم بيوم الدين تكذيب لقدرة الله تعالى وتكذيب رسله ؛ لأن الرسل كانوا يدعونهم إلى الإيمان بيوم الدين ؛ فكانوا يكذبونهم بتكذيبهم بذلك اليوم ؛ فيكون تأويله منصرفا إلى ما ذكرنا من تكذيبهم بجميع ما يحق عليهم التصديق به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) : المعتدي هو الذي يتعدى حدود الله تعالى ، والأثيم : الذي يتأثم بربه ؛ فيكون مجاوزا به عن الحدود ، والتأثم بربه هو الذي يحمله على التكذيب ، وإلا لو قام بحفظ حدوده ، ولم يأثم بربه ، لكان لا يكذب بيوم الدين.
أو يكون فيه إخبار أن المكذب به معتد أثيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : قال : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : أباطيل الأولين.
وقال أبو عبيدة : الأساطير : هي التي لا أصل لها.
ومعناه عندنا : ما سطره الأولون ، أي : كتبه ، فالسطر : الكتابة ؛ فيخبرون أنها ليست من عند الله تعالى ، بل مما كتبها الأولون الذين لا نظام لهم ، ولم يكن يقولون هذا في كل ما يتلو عليهم ، ولكنهم كانوا يعارضونه بهذا عند ما كان يتلو عليهم من نبأ الأولين ، وكانوا ينسبونه إلى السحر إذا أتاهم بالآيات المعجزات.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، قيل : الرين : الستر والغطاء.
وقيل : الرين : الصدأ ؛ فالله ـ تعالى ـ سمى الإيمان الذي هو في النهاية من
__________________
(١) في أ : للجن.