ونحمده عليه ؛ لعظمة ثنائه (١) لدينا ، وجزيل مننه علينا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ) فضحكهم يكون لأحد وجهين :
إما على التعجب منهم أن كيف اختاروا متابعة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وحملوا أنفسهم في الشدائد ، ورضوا بزوال النعيم عنهم من غير منفعة لهم في ذلك ، وهم قوم كانوا لا يؤمنون بالبعث ؛ فكانوا يكذبون بما وعد المؤمنون من النعيم في الآخرة ؛ وكان يحملهم ذلك على التعجب ؛ فيضحكون متعجبين منهم.
أو كانوا يضحكون على استهزائهم بالمؤمنين ، يقولون : إن هؤلاء آمنوا بمحمد صلىاللهعليهوسلم وصدقوه فيما يخبرهم من نعيم الآخرة ، ولا يعرفون أنه كذلك ، وكانوا يجهلون المؤمنين على ما جهلوا بأنفسهم ، وظنوا أن لا بعث ولا جنة ولا نار.
قال أبو بكر : المجرم : هو الوثاب في المعاصي.
وذكر أبو بكر أن في ذكر صنيع الكفار بالمؤمنين دلالة رسالة النبي صلىاللهعليهوسلم ، وذلك أنهم كانوا يضحكون من (٢) المؤمنين ، ويتغامزون (٣) ، وينسبونهم إلى الضلال سرا من المسلمين ، فأطلع الله ـ تعالى ـ نبيه ـ عليهالسلام ـ على ما أسروا من الأفعال ؛ ليجعل لهم من أفعالهم حجة عليهم لنبوته ورسالته ، عليهالسلام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ) قال بعضهم (٤) : لاهين ، أو معجبين بحال المؤمنين ، أو مسرورين ، كما قال ـ تعالى ـ : (إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً) [الانشقاق : ١٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ) : يجوز أن يكونوا نسبوهم (٥) إلى الضلال ؛ لتركهم دين آبائهم ، ورأوا ما اختاروه من تحمل الشدائد ، ورضوا بضيق من العيش ضلالا منهم.
وقوله : (وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ) أي : لم يرسلوا بحفظ أعمال المسلمين ؛ فيكون في ذكر هذا تسفيه أحلامهم ، وهو أنهم تركوا النظر في أحوال أنفسهم ، وجعلوا يعدون على المسلمين عيوبهم كأنهم أرسلوا عليهم حفاظا ، وما أرسلوا.
أو يكون هذا إخبارا عن الكفار أنهم يقولون : ما أرسل على أحد حافظ يحفظ عليه
__________________
(١) في ب : ثلاثة.
(٢) في ب : عن.
(٣) في ب : ويتغامزونهم.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير عنه (٣٦٧٠٨).
(٥) في ب : ينسبونهم.