ترى أن الصلاة التي تلي الغروب لا يدخل وقتها حتى يتم غروب الشمس ، فعلى ذلك الصلاة التي تلي غروب الشفق لا يدخل (١) وقتها حتى يتم الغيبوبة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللَّيْلِ وَما وَسَقَ) قال بعضهم (٢) : (وَسَقَ) ، أي : وما ساق وحمل معه من الظلمة والنجم والدابة ، وغير ذلك.
والوسق : الحمل ، يقال : وسق بعير ، أي : حمل بعير.
وقال بعضهم (٣) : وسق ، أي : جمع وساق كل شيء إلى مأواه من الطير والسباع ، فذكر النهار والليل ؛ لما فيهما من المنافع.
وقوله : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) فالاتساق : الاجتماع ، ومعناه : استوى ، وكمل ؛ إذ ذلك اجتماعه ، وذلك في ليالي البيض.
وقال أبو بكر الأصم : معناه : أنه جمع وسوي بعد أن كان كالعرجون القديم فيذكرهم قوته ؛ ليعلموا أنه قادر على بعثهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) قرئ بنصب الباء ورفعها ، وكلا القراءتين في المعنى واحد ، وإن كان في الظاهر إحداهما للجمع والأخرى للوحدان ، وإحدى القراءتين بحرف الجمع ليذكر بالرفع ، فإن قوله : (لَتَرْكَبُنَ) منصرف إلى كل إنسان في نفسه خاصة لا على الاقتصار على شخص واحد ؛ لما ليس في قوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ) [الانشقاق : ٦] إشارة إلى شخص بعينه ، ولكن المراد منه الجملة ؛ فثبت أن الخطاب منصرف إلى الجملة.
ثم قوله : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) قيل (٤) : حالا بعد حال.
ثم جائز أن يصرف إلى دار الآخرة ، فكأنه قال : لتركبن حال الآخرة بعد حال الدنيا ؛ فيكون فيه تصريح القول على إيجاب البعث.
ويحتمل أن يكون ذلك في الدنيا ، فينتقل إلى حال المضغة بعد كونه مضغة ، وإلى حال العلقة ، وإلى حال الطفولة ، إلى أن يبلغ أشده ، فلا يزال يركب حالة بعد حالة ؛ فيكون في تنقله من حال إلى حال إبانة أنه لم يرد من إنشائه أن تتغير عليه الأحوال فقط ، بل أريد به العاقبة التي بها صار إنشاء الخلق حكمة لا عبثا ؛ فيكون قوله : (لَتَرْكَبُنَ) منصرفا إلى كل
__________________
(١) في ب : يتم.
(٢) قاله عكرمة بنحوه أخرجه ابن جرير (٣٦٧٧١ ، ٣٦٧٧٢).
(٣) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٧٥٦ ، ٣٦٧٥٧) ، وأبو عبيد في فضائله ، وابن أبي شيبة وابن المنذر عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٤٩) وهو قول الحسن ، ومجاهد ، وقتادة وغيرهم.
(٤) قاله ابن عباس أخرجه ابن جرير (٣٦٧٩٠ ، ٣٦٧٩٤) ، وأبو عبيد في القراءات ، وسعيد بن منصور ، وابن منيع ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن مردويه عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٤٩).