إنسان في نفسه خاصة ، لا على الاقتصار على شخص واحد ؛ لما ذكرنا.
ومنهم من قال : إنما أراد بهذا الخطاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ ذكر عن ابن مسعود وابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ لكن قال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : لتركبن يا محمد (١).
وقال ابن عباس : لتركبن السماء حالا بعد حال (٢).
فإن كان التأويل على ما ذكره ابن مسعود ، ففيه بشارة له بإسلام قومه ، وإجابتهم له ؛ فيقول : إنهم سيطيعونك ويصيرون لك أنصارا بعد صدهم الناس عن الإيمان وجفوتهم إياك.
ومن قال : لتركبن سماء بعد سماء ، فيقول : ذلك ليلة أسري به.
والتأويل الأول أقرب ؛ لأن موقع القسم في قوله : (لَتَرْكَبُنَ) ، والإسراء لم يكن يعرفه قومه حتى يكون في ذكره دفع الاشتباه عن أولئك القوم ، فأما ظهور الإسلام وعلو النبي على أعدائه فمما يشاهده الناس ؛ فيتحقق في الآخرة ما أخبر النبي ـ عليهالسلام ـ عن الغيب (٣) ؛ فيكون تأكيدا لرسالته ؛ فلذلك قلنا : إن الحمل على المعنى الأول أحق ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) الأصل أن كل من اعتقد مذهبا فإنما يعتقده لحجة تقررت عنده ، أو شبهة اعترضت له ، ظنها حجة ، فأما أن يعتقده حراما ، فليس يفعله ، فقال الله تعالى في هؤلاء : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، أي : أي حجة لهم تمنعهم عن الإيمان بالله ـ تعالى ـ وبرسوله ، وتدعوهم إلى الشرك والتدين (٤) به.
ثم قد ذكرنا أن ما خرج مخرج الاستفهام من الله ـ تعالى ـ فحقه أن ينظر ما يقتضي ذلك الكلام من الجواب أن لو كان من مستفهم ؛ فيحمل الأمر عليه ، وحق جواب هذا الكلام أن نقول : لا شيء يمنعه عن ذلك ؛ فقوله : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ، أي : لا حجة لهم فيما اختاروا من الشرك ، وإنما يتدينون به تشهيا وتمنيا ؛ فيكون هذا على النفي في أن لا حجة لهم.
أو كأنه يخاطب رسوله ـ عليهالسلام ـ فيقول : سلهم لما ذا لا يؤمنون؟ وإذا سألهم لم يجدوا لأنفسهم حجة في الإعراض (٥) عن الإيمان ؛ فيرجع الأمر إلى ابتغاء الحجة أيضا.
ثم المعتزلة احتجت علينا بهذه الآية في تثبيتهم القدرة قبل الفعل ، وزعمت أنه لو لم
__________________
(١) أخرجه عبد بن حميد ، وابن المنذر ، والحاكم في الكنى ، وابن مندة في غرائب شعبة ، وابن مردويه ، والطبراني عنه كما في الدر المنثور (٦ / ٥٥٠).
(٢) تقدم.
(٣) في ب : البعث.
(٤) في أ : والتزيين.
(٥) في ب : الاعتراض.