يتلى عليهم ، وقرعوا به ، والتقريع يجري في ترك اللازم ، لا في ترك ما ليس عليه.
ولأن المعنى الذي له وجب السجود على التالي قائم في السامع ؛ إذ التالي إنما لزمه السجود ؛ لما ذكر من آيات الله ـ تعالى ـ وقامت عليه من الحجج ؛ فلزمه أن ينقاد لها ويخضع ، والسامع قد قامت عليه الحجج ؛ فيلزمه أن يخضع لها.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أنهم يكذبون رسوله محمدا عليه الصلاة والسلام ؛ فيحملهم ذلك على التكذيب بالقرآن ؛ لأنهم إذا كذبوا رسالته لم يصدقوه فيما يأتي من الأخبار ، لا أن يكون في الأخبار معنى يحملهم على التكذيب ؛ بل القرآن يحملهم على التصديق والإيمان لو أنعموا النظر فيه ، وبذلوا من أنفسهم الإنصاف.
أو يكون معناه : أن الذين كفروا هم (١) المكذبون ؛ فيكون الكفر منهم تكذيبا ، والتكذيب منهم كفرا.
وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) يحتمل أوجها :
أحدها : ما يضمرون من الكيد والمكر برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فالله أعلم بكيدهم ، لا يتهيأ لهم أن ينفذوا كيدهم فيه إلا ما كتب الله عليه ؛ فيكون فيه بشارة له بالنصر والتأييد.
والثاني : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) في قلوبهم من التصديق ، ويظهرون من التكذيب بألسنتهم ، وإنما يوعون من التكذيب بألسنتهم وقلوبهم معا ، وذلك أن البعض منهم كان قد أيقن برسالته ؛ فكان يصدقه بقلبه ، ويكذبه بلسانه على العناد منه والتمرد.
ومنهم من لم يكن عرف صدقه بقلبه ؛ لما ترك الإنصاف من نفسه بإعراضه عن النظر في حجج الله ـ تعالى ـ فكان يكذبه بقلبه ولسانه جميعا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) البشارة إذا فسرت ، استقام حملها على الحزن والسرور جميعا ، وأما البشارة المطلقة إنما تستعمل في موضع إدخال الفرح والسرور في القلب.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) جائز أن يكون هذا منصرفا إلى كل من آمن.
وجائز أن يصرف إلى من آمن من الذين كانوا يوعون ما ذكرنا.
وقوله : (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) نذكره في سورة «والتّين والزّيتون» ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) في ب : وهم.